تشهد برية زعترة الواقعة شرق مدينة بيت لحم تصعيدًا خطيرًا في سياسة التهجير القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، حيث تخطط لهدم قرية المالحة الفلسطينية التي شيدها السكان خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع السماح بإقامة بؤر استيطانية جديدة في المنطقة. يُعتبر هذا التحرك جزءًا من استراتيجية الضم التدريجي للمناطق الفلسطينية، عبر هدم المنازل والبنى التحتية الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات في المناطق المصنفة (ب)، التي تخضع إداريًا للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو.
مؤخرًا، هدمت قوات الاحتلال منزلين وثلاثة أسوار إسمنتية في قرية المالحة، ما أوقف مشروعًا عمرانيًا يهدف إلى تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين في المنطقة. رئيس المجلس القروي، مراد جدال، صرّح بأن لديهم خططًا لإنشاء قرية نموذجية تضم حدائق وطرقًا منظمة، إلا أن قرارات الهدم الإسرائيلية دمرت هذه الطموحات. مواطنون فلسطينيون عبروا عن معاناتهم، حيث قال أحدهم: "بدأت ببناء منزلي في عام 2023، لكن قرارات الهدم تركتنا بلا مأوى".
في المقابل، تستمر سلطات الاحتلال في دعم البؤر الاستيطانية مثل "مكنيه أبراهام"، التي وصفتها منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية بأنها مركز للعنف المنظم ضد الفلسطينيين. وفقًا للمنظمة، يتعرض السكان المحليون لمحاولات طرد مستمرة واعتداءات متكررة من قبل المستوطنين.
من جانبه، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الاستيطان، بأن خطط السلطة الفلسطينية لربط بيت لحم بالأغوار عبر برية زعترة "غير مقبولة"، مشددًا على أن الحكومة الإسرائيلية ستواصل "فرض القانون" لمنع إقامة دولة فلسطينية، حسب وصفه. وأكد سموتريتش أن الحكومة تسعى إلى تسريع الضم التدريجي لهذه المناطق تحت ذريعة الأمن وحماية الطبيعة، حيث وصف رئيس مجلس مستوطنات "غوش عصيون"، يارون روزنتال، بناء الفلسطينيين في برية زعترة بأنه "تهديد أمني".
تاريخيًا، نصت اتفاقية "واي ريفر"، الموقعة عام 1998، على تصنيف برية بيت لحم كمحمية طبيعية ضمن المنطقة (ب)، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تنتهك الاتفاقيات الدولية عبر توسيع المستوطنات وهدم المباني الفلسطينية. هذا التحرك يأتي ضمن مخطط استيطاني يهدف إلى فصل بيت لحم عن الأغوار وربط مستوطنات "غوش عصيون" بالقدس.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الاحتلال هدم عشرات التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، ما أدى إلى تهجير آلاف الفلسطينيين. وبحسب معطيات منظمات محلية ودولية، تم محو 26 تجمعًا سكانيًا بالكامل، مما أدى إلى تهجير 652 أسرة تضم أكثر من 3200 شخص.
سياسة الاحتلال الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين تتزامن مع تصاعد اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى، حيث تُنفذ الاقتحامات بشكل شبه يومي تحت حراسة مشددة من قوات الاحتلال. في الأسبوع الماضي، قاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير اقتحامًا جديدًا للمسجد الأقصى بمناسبة ما يُسمى "عيد الأنوار"، في خطوة تعكس تصعيدًا متعمدًا من قبل الحكومة الإسرائيلية.
ما يجري في برية زعترة وغيرها من مناطق الضفة الغربية يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويستدعي تحركًا فلسطينيًا وإقليميًا ودوليًا لوقف هذه السياسات الهدامة التي تهدد الوجود الفلسطيني وتسعى إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الأرض المحتلة.