في قطاع غزة، حيث تتداخل المأساة الإنسانية مع أصداء حرب الابادة المستمرة، تحكي فلة، أم لثلاثة أطفال، قصة تُجسد معاناة آلاف الأسر التي دفعها الجوع والقصف والنزوح إلى حافة الموت.
بدأت مأساة فلة في فبراير 2024، عندما أصبح الحصول على الدقيق شبه مستحيل. اضطرت العائلة لطحن القمح ثم الشعير، وأخيرًا الذرة، لتوفير خبز مر المذاق يسد رمقهم، لكن حتى تلك البدائل لم تصمد طويلاً. عندما أصبح الأرز هو الخيار الوحيد، ارتفع سعره إلى 200 شيكل للكيلو "ما يعادل 60دولار أمريكي."، ما جعل شراءه شبه مستحيل.
تروي فلة: "صرنا نكتفي بوجبة واحدة يوميًا، وفي كثير من الأحيان كنا ننام جائعين. لم أكن أستطيع النظر في عيون أطفالي، تلك العيون المجوفة التي تعكس الجوع واليأس. كنا أنا وزوجي نحرم أنفسنا لنُطعمهم، لكن حتى ذلك لم يعد كافيًا. أصبح لونهم شاحبًا كالأموات، وأجسادهم نحيلة تتلاشى أمام عيني."
ومع توقف محطات المياه، اضطرت الأسرة إلى شرب المياه غير صالحة للشرب والمالحة. "شعرت بأن أجساد أطفالي تتداعى أمامي"، تقول فلة. أثرت المياه المالحة على صحتهم، وزادت من معاناتهم الجسدية والنفسية، ما جعل كل لحظة تمر كأنها جحيم جديد.
قرار النزوح: هروب من الجوع إلى الموت
مع تفاقم الأوضاع، قرر زوجها معين النزوح إلى جنوب القطاع، حيث أمرهم الجيش الإسرائيلي بوجود منطقة إنسانية وظروف أفضل. رغم اعتراض فلة وخوفها من المجهول، أصر زوجها وأبناؤها على الرحيل. وفي 22 فبراير 2024، غادروا مع عشر عائلات أخرى من مدرسة بنات غزة، ضمن قافلة تجرها الحمير.
لحظة الكارثة
عند الساعة العاشرة صباحًا، أثناء السير في طريق وعر، دوى انفجار هائل بالقرب من القافلة. تصف فلة المشهد: "كأن السماء سقطت على الأرض. فقدت كل شيء؛ صرخات اختلطت بالدخان وحرارة الشظايا التي اخترقت أجسادنا. رأيت زوجي يسقط أرضًا، مصابًا في رأسه. حاولت الاقتراب منه، لكن الخوف والدخان كانا أقوى مني."
اختفى ولداها هيثم وصالح وسط الفوضى. بعد دقائق، وجدت فلة ابنتها رنين، وجهها مغطى بالدموع والرعب. أجبرها المتواجدون على مغادرة المكان خوفًا من تكرار القصف. أمسكت بيد رنين وعادت سيرًا على الأقدام إلى شمال القطاع. تقول: "كان الطريق كابوسًا جديدًا؛ زجاج متناثر، ورمال تغوص أقدامنا فيها. شعرت بأن كل خطوة قد تكون الأخيرة."
المأساة تتكشف
عند عودتها إلى المدرسة مساءً، وصلت أخبار مدمرة. أُبلغت بوفاة زوجها معين متأثرًا بجروحه. ابنها هيثم، الذي كان مصدر فخرها، فقد بصره تمامًا، بينما قُتل صالح، الابن الأصغر الذي كان يملأ حياتها ضحكًا وأملًا.
حياة في خيمة مهترئة
تعيش فلة الآن في خيمة بالية مع ابنتها رنين. "منذ ثلاثة أيام، ننام على الأرض لأن الفراش تبلل بمياه الأمطار. لا نملك شيئًا نأكله، وأتمنى فقط أن أستطيع توفير وجبة واحدة لرنين."
معاناة تتجاوز الكلمات
قصتها تعكس واقع آلاف الأسر في غزة، حيث يجتمع الجوع والقصف والتشريد ليدمر أحلامًا وحيوات بأكملها. تعيش فلة مع فقدان زوجها وطفليها، وتحاول الحفاظ على ما تبقى من حياتها وابنتها، بينما الجوع واليأس يحيطان بهما من كل جانب. في كل لحظة، تتشبث بأمل ضئيل بأن ينتهي هذا الكابوس.
غزة: حيث الكرامة تُهدر والإنسانية تُنسى
في قطاع غزة، قصص مثل قصة فلة ليست استثناءً، بل جزء من يوميات تعكس أعمق مستويات المعاناة الإنسانية. في ظل غياب الحلول واستمرار الحصار، يبدو المستقبل قاتمًا، حيث يتلاشى الأمل مع كل يوم يمر.