أزمة مياه الصرف الصحي في غزة: كارثة إنسانية وبيئية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر

أزمة الصرف الصحي في غزة.jpg

في ظل عدوان إسرائيلي مستمر منذ أكثر من عام وشهرين، يشهد قطاع غزة كارثة صحية وبيئية متفاقمة بسبب انهيار منظومة الصرف الصحي. التحذيرات المتكررة من الجهات المحلية والدولية تشير إلى خطر وشيك يهدد حياة مليوني نسمة في القطاع المكتظ بالسكان، مع استمرار قصف البنية التحتية الحيوية ومنع أعمال الصيانة اللازمة.

دمار شامل للبنية التحتية

تسبب القصف الإسرائيلي المكثف في تعطل معظم منشآت الصرف الصحي في غزة، حيث تعرضت محطة "7ب" في حي الزيتون جنوب شرقي المدينة لقصف مدفعي مباشر. وكانت هذه المحطة تمثل نقطة أساسية لضخ مياه الصرف الصحي نحو محطة المعالجة الرئيسية في الشيخ عجلين. أدى القصف إلى تعطيل منظومة الطوارئ والخطط البديلة التي كانت تستخدمها بلدية غزة لتخفيف الأزمة، مما تسبب في طفح المياه العادمة في الشوارع المحيطة بالمحطة.

وفقًا للتقارير، فإن الدمار شمل أكثر من ثماني محطات ضخ رئيسية ومائة وخمسة وسبعين ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي. كما تعرضت محطات معالجة مركزية، بما في ذلك خمس محطات رئيسية، للتدمير الكلي، مما أعاق معالجة كميات هائلة من المياه العادمة. تُضخ يوميًا ما يقرب من 130 ألف متر مكعب من المياه غير المعالجة إلى البحر، ما يزيد من تفاقم الأزمة البيئية.

تلوث المياه: تهديد مضاعف للصحة العامة

أدى تدمير البنية التحتية للصرف الصحي إلى تلوث خطير لمصادر مياه الشرب. وفقًا لسلطة المياه في غزة، فإن 80% من مياه الشرب في القطاع أصبحت ملوثة بسبب تسرب المياه العادمة واختلاطها بشبكات المياه الصالحة للشرب. وأوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن هذه المعدلات المقلقة من التلوث تشكل خطرًا على الصحة العامة، حيث أصبحت الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد تهدد حياة السكان.

بيئة خصبة للأمراض المعدية

مع استمرار طفح المياه العادمة في الشوارع، تحولت بعض الأحياء، مثل حي الزيتون، إلى بؤر لنقل الأمراض. وأصبحت البرك المفتوحة التي تتجمع فيها المياه العادمة مصدرًا رئيسيًا لجذب الحشرات الضارة وانتشار الأمراض بين السكان، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمخيمات المكتظة.

جهود محلية محدودة وسط تحديات جسيمة

رغم المحاولات المحلية للتخفيف من الأزمة، تواجه بلدية غزة صعوبات هائلة في تنفيذ أعمال الصيانة نتيجة استمرار القصف ومنع الوصول إلى المواقع المتضررة. تمكنت البلدية في وقت سابق من تشغيل مضخة متنقلة في محطة "7ب"، ولكن القصف المتكرر أعاق جهود الإصلاح المستمرة. كما حاولت البلدية ضخ المياه العادمة نحو برك مؤقتة مثل بركة الشيخ رضوان، إلا أن قدرتها الاستيعابية المحدودة لم تكن كافية لحل الأزمة.

نداءات استغاثة دولية

أطلقت بلدية غزة العديد من نداءات الاستغاثة للمؤسسات الدولية والبيئية، مطالبة بالسماح لفرق الصيانة بالوصول إلى المحطات المتضررة والقيام بأعمال الصيانة العاجلة. كما ناشدت المجتمع الدولي تقديم دعم فوري لمواجهة الأزمة، سواء بتزويد القطاع بالمواد اللازمة لإصلاح البنية التحتية أو الضغط لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المنشآت المدنية.

كارثة بيئية تمتد إلى الإقليم

لم تعد أزمة مياه الصرف الصحي في غزة مجرد مسألة محلية، بل تجاوزت حدود القطاع لتصبح تهديدًا بيئيًا إقليميًا. تُضخ كميات كبيرة من المياه العادمة غير المعالجة إلى البحر الأبيض المتوسط، ما أدى إلى تلوث سواحل غزة بنسبة تصل إلى 85%. يمتد هذا التلوث إلى المياه الإقليمية للدول المجاورة، مما يهدد الحياة البحرية والصحة العامة في المنطقة بأسرها.

الأثر على السكان والنازحين

في ظل تزايد الأزمات، يعاني سكان غزة، وخاصة النازحين الذين لجأوا إلى المناطق الساحلية بسبب العدوان، من أوضاع مأساوية. تفتقر المخيمات إلى الخدمات الأساسية، ويعتمد النازحون على مصادر مياه ملوثة، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة. وتشير التقارير إلى أن الأمراض الناتجة عن تلوث المياه والبيئة أصبحت منتشرة بشكل واسع بين النازحين، خاصة الأطفال وكبار السن.

خطر مستدام يستدعي تدخلاً عاجلاً

الأزمة الصحية والبيئية في غزة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية عاجلة. استمرار العدوان والحصار يمنع أي فرصة لتحسين الأوضاع، ويزيد من معاناة السكان الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية. إن وقف الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية وتوفير دعم عاجل لإصلاحها يمثل الحد الأدنى من الخطوات المطلوبة لتجنب كارثة أكبر.

غزة تدفع الثمن الأكبر

في قطاع غزة، حيث تتداخل الأزمات الإنسانية مع الكوارث البيئية، يعيش السكان تحت وطأة عدوان لا يتوقف وحصار خانق. إن استمرار تدمير البنية التحتية الحيوية دون تحرك دولي جاد لوقف هذه الجرائم يعمق المأساة ويهدد بجعل الأزمة الصحية والبيئية خارجة عن السيطرة. غزة لا تحتاج فقط إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بل إلى حل جذري ينهي الحصار ويضع حدًا لمعاناة سكانها.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة