الضفة الغربية تواجه "دولة سموتريتش" الاستيطانية

تصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية - أرشيفية.webp

مع دخول العام الجديد، أكدت صحيفة "إسرائيل هيوم"، المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن عام 2024 شهد اكتمال ما أسمته "دولة سموتريتش" في الضفة الغربية. هذا الوصف يعكس التحولات الجذرية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، بالشراكة مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، في ترسيخ الاستيطان كأولوية استراتيجية تهدف إلى حشر الفلسطينيين في معازل تحيط بها المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية.

شهد عام 2024 تكثيفاً غير مسبوق في النشاط الاستيطاني بالضفة الغربية، حيث تم بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، وتوسيع البؤر الاستيطانية، وإقامة مزارع رعوية تجاوز عددها 90 مزرعة، تسيطر على نحو 650 ألف دونم، أي ما يعادل 12% من مساحة الضفة الغربية. هذا التوسع رافقه قرارات حكومية لتخصيص ميزانيات ضخمة لدعم الاستيطان، وهو ما يعد خطوة باتجاه فرض السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية، وفق رؤية سموتريتش القائمة على إزالة ما يُعرف بالخط الأخضر.

كما شهد العام الماضي انتقالاً نوعياً في النشاط الاستيطاني إلى المناطق المصنفة (ب)، وهو ما يمثل خرقاً واضحاً لاتفاقية أوسلو التي منحت السلطة الفلسطينية سيطرة مدنية كاملة على هذه المناطق. أقيمت عدة بؤر استيطانية في هذه المناطق، بينها بؤر قرب مستوطنات تقوع ونوكديم ومعاليه آموس. كما توسعت البؤر الاستيطانية القائمة في المناطق المصنفة (ج)، ما أدى إلى تهجير الفلسطينيين من تجمعاتهم السكانية. وكانت قرية خربة طانا شرق نابلس شاهدة على هذه الاعتداءات، حيث أجبر سكانها على الإخلاء بعد هجوم للمستوطنين تحت حماية الجيش الإسرائيلي.

التوسع الاستيطاني لم يتوقف عند إقامة المزارع والبؤر، بل شمل تنفيذ مشاريع تجديد حضري استيطانية لأول مرة، بإشراف الجنرال آفي بلوط قائد المنطقة الوسطى، الذي أصدر أوامر تسمح ببناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة. يأتي هذا التطور ضمن استراتيجية تهدف إلى خلق مساواة قانونية بين الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر وتلك في الضفة الغربية، ما يعزز الارتباط الجغرافي والبنية التحتية بين المستوطنات ودولة الاحتلال. كما شملت الخطة تحسين شبكة الطرق وتطوير البنية التحتية داخل المستوطنات، خصوصاً في مناطق "بنيامين" الممتدة بين نابلس ورام الله، ومناطق غور الأردن.

في السياق ذاته، تصاعدت الاعتداءات على الفلسطينيين من قبل المستوطنين، حيث وثقت الأمم المتحدة 1400 اعتداء خلال عام 2024 أسفرت عن مقتل 18 فلسطينياً وإصابة المئات، بالإضافة إلى تدمير الممتلكات وتهجير أكثر من 28 تجمعاً سكانياً. قرار وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعدم إصدار أوامر اعتقال إداري ضد المستوطنين المتورطين في هذه الاعتداءات، فُسر على أنه ضوء أخضر للمزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن العديد من الوزراء في حكومة نتنياهو يدعمون المستوطنين بشكل مباشر، ما يكرس سياسة الإفلات من العقاب.

مع بداية العام الجديد، بدأت سلطات الاحتلال بتنفيذ مشاريع توسعية جديدة. تم الاستيلاء على أكثر من 262 دونماً من أراضي بلدات جبع والرام وكفر عقب ومخماس بمحافظة القدس، لصالح توسيع شارع 45 الاستيطاني الذي يربط بين مستوطنة مخماس والنفق الجديد تحت مطار قلنديا. وقدمت جمعيات حقوقية إسرائيلية اعتراضات على هذه التوسعات، لكن الإدارة المدنية مضت قدماً في تنفيذ مخططاتها، ما يشير إلى استمرار سياسة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير أصحابها قسراً.

في الانتهاكات الأسبوعية التي وثقها المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، شهدت مدينة القدس اقتحام المسجد الأقصى من قبل 600 مستوطن بحماية الشرطة، بينما أجبرت سلطات الاحتلال عائلات فلسطينية في سلوان وجبل المكبر على هدم منازلها بذريعة البناء دون ترخيص. في الخليل، اعتدى المستوطنون على المزارعين في عدة مناطق، وأطلقوا ماشيتهم في أراضي الفلسطينيين لإتلاف المحاصيل. في بيت لحم، أقام مستوطنون بؤرة رعوية جديدة غرب بلدة نحالين، فيما شهدت نابلس هجمات متكررة على قرى قريوت وسالم وبورين، إضافة إلى إقامة بؤر استيطانية جديدة وشق طرق استيطانية تربط بين البؤر القائمة.

الوقائع على الأرض تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى تسريع وتيرة الاستيطان وفرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، ما ينذر بتصعيد خطير في الأعوام المقبلة. استمرار هذه الانتهاكات يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف التوسع الاستيطاني وحماية حقوق الفلسطينيين، الذين يواجهون تهديداً وجودياً في ظل هذه السياسات التوسعية.


 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة