في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، تتعرض جميع القطاعات للتدمير الممنهج، بما في ذلك قطاع التكنولوجيا والبرمجة. يعد هذا القطاع واحدًا من المجالات الواعدة التي تمكنت من تحقيق إنجازات ملحوظة رغم الظروف الصعبة. إلا أن استمرار الحرب لأكثر من عام ألحق أضرارًا جسيمة بهذا المجال، مما دفع العاملين فيه إلى مواجهة تحديات غير مسبوقة تهدد استمراريتهم.
غزة، المحاصرة منذ سنوات، تعتمد على مجال التكنولوجيا كنافذة للتواصل مع العالم الخارجي ومصدر أساسي للعمل عن بُعد. ومع ذلك، فإن حرب الإبادة المستمرة وما رافقها من دمار واسع للبنية التحتية، شلّت هذا القطاع بشكل كبير. انقطاعات الكهرباء والإنترنت المستمرة، فضلاً عن القصف الذي استهدف المنازل والشركات، أجبرت العديد من العاملين على التوقف عن العمل أو البحث عن حلول بديلة في ظروف قاسية رغم التحديات الأمنية الكبيرة الذي يواجهها العاملين في هذا المجال.
انهيار البيئة الرقمية تحت القصف
منذ اليوم الأول للحرب الأخيرة على غزة، تعرضت البنية التحتية الرقمية لضربات منهجية. استهدفت إسرائيل مراكز البيانات وخطوط الألياف الضوئية الأساسية، مما أدى إلى انقطاع شبه دائم للاتصالات. العاملون في قطاع التكنولوجيا وجدوا أنفسهم فجأة معزولين عن عملائهم العالميين ومشاريعهم التي تعتمد بشكل كامل على الاتصال بالإنترنت.
يقول محمد سمير، وهو مطور ويب: "في ظل هذه الظروف، أصبح من المستحيل إنجاز أي مشروع. حتى المهام البسيطة تحتاج إلى تخطيط مسبق لاستغلال فترات توفّر الكهرباء والإنترنت، وهو ما يؤثر على الجودة والمواعيد."
تدمير البيئة الرقمية لم يقتصر على إعاقة العمل عن بُعد، بل شمل أيضًا خسارة الأجهزة والمعدات جراء القصف. فقد العديد من الشركات الناشئة مكاتبها، بينما نزح العاملون مع عائلاتهم إلى أماكن أقل عرضة للخطر.
معاناة العاملين في القطاع
تشكل الحرب ضغطًا كبيرًا على العاملين في قطاع التكنولوجيا في غزة. بالإضافة إلى التحديات التقنية والبنيوية، يعاني هؤلاء من ضغط نفسي كبير جراء الأوضاع الأمنية والمخاطر اليومية. يُجبر كثيرون على العمل من أماكن مؤقتة مثل المقاهي أو الملاجئ، أو حتى التوقف عن العمل تمامًا.
يقول حمزة أحمد، مبرمج يعمل مع شركات خارج القطاع: "الحرب ليست مجرد أزمة إنسانية، بل كارثة تهدد عملنا بشكل مباشر. العملاء يفقدون الثقة بسبب انقطاعات الإنترنت والكهرباء. لقد حاولت استخدام حلول بديلة مثل لواقط الإنترنت، لكنها مكلفة وغير فعالة بشكل كامل."
بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغط الاقتصادي الذي تعانيه غزة يزيد من معاناة العاملين في القطاع، إذ يعجز كثيرون عن تلبية احتياجات أسرهم اليومية بسبب نقص الموارد والدخل غير المستقر.
قصص صمود وإبداع رغم الظلام، هناك جانب مشرق يتمثل في صمود العاملين ومحاولاتهم للتكيف مع الظروف القاسية. لجأ البعض إلى حلول مبتكرة لتجاوز الأزمات، مثل الاعتماد على الطاقة الشمسية أو استخدام شبكات اتصال بديلة.
جبريل علي، مصمم مواقع إنترنت، يعتمد على تخطيط دقيق لإنجاز مهامه. يقول: "أستغل ساعات توفر الكهرباء والإنترنت لإنجاز العمل، وأستخدم الورق والقلم للتخطيط أثناء الانقطاعات. رغم ذلك، الإنتاجية ضعيفة والتحديات أكبر مما يمكن التغلب عليه بمفردي."
البعض الآخر وجد في العمل عن بُعد مع شركات دولية حلًا مؤقتًا، لكنه ليس دائمًا. يقول محمد خليل، الذي يدير شركة ناشئة: "اعتمدنا على الطاقة الشمسية لتشغيل الحد الأدنى من الأجهزة. لكن غياب الدعم الحكومي أو الدولي يجعل الاستمرارية تحديًا هائلًا. أفكر في نقل نشاط الشركة إلى الخارج إذا استمر الوضع على هذا الحال."
النزوح وفقدان الموارد تُعتبر قصص النزوح واحدة من أكثر الصور مأساوية في قطاع التكنولوجيا في غزة.
محمود رشيد، مهندس برمجيات، فقد منزله خلال القصف واضطر للعمل في مهن غير تقنية. يقول محمود: "كان لدي مشاريع كبيرة مع شركات عربية، لكن بعد النزوح لم أعد أمتلك حتى الحاسوب. وجدت نفسي أعمل في مهن بسيطة لتأمين احتياجات عائلتي الأساسية."
على النقيض، تمكن البعض من الخروج من غزة والعمل في الخارج، مثل خالد سالم، الذي يعمل الآن في مصر. لكنه يؤكد على أهمية تحسين الظروف داخل غزة لتجنب هجرة المواهب.
تعاني شركات التكنولوجيا في قطاع غزة من شلل شبه كامل بسبب تدمير 75% من البنية التحتية للاتصالات خلال النزاع الأخير، مع دمار نصفها بالكامل. وأدى ذلك إلى خسائر اقتصادية جسيمة، تجاوزت 90 مليون دولار حتى مارس 2024، وفقًا لتقرير حديث.
الانقطاع المستمر لخدمات الاتصال والإنترنت تسبب في شلل عمليات الشركات التكنولوجية، التي تعتمد بشكل أساسي على الاتصال بالأسواق الخارجية. كما أن الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية حرم هذه الشركات من مواصلة عملها، مما أدى إلى فقدان مئات الوظائف.
دعوات لإعادة الإعمار
تطالب شركات التكنولوجيا في غزة بإعادة بناء البنية التحتية للاتصالات بشكل عاجل، مع التركيز على حلول طاقة مستدامة لضمان استمرار الخدمات. كما دعت إلى تحسين تغطية الشبكات اللاسلكية في المناطق المتضررة لتأمين استمرارية الأعمال والحد من نزيف الخسائر.
قطاع التكنولوجيا، أحد أكثر القطاعات حيوية في غزة، يواجه اختبارًا صعبًا للبقاء في ظل التحديات غير المسبوقة التي فرضتها الأزمة الحالية.
حلول مأمولة لإنقاذ القطاع
تتفق جميع الأطراف المعنية على أن إنقاذ قطاع التكنولوجيا والعاملين به غزة يتطلب حلولًا جذرية ومستدامة. من بين هذه الحلول:
توفير الطاقة البديلة بشكل مستدام: يمكن لمحطات الطاقة الشمسية أن تكون حلًا فعالًا لتأمين الكهرباء.
تحسين البنية التحتية للإنترنت: يجب توفير خطوط اتصال مستقرة وعالية الجودة لضمان استمرارية العمل.
إنشاء حاضنات تقنية: توفير بيئة عمل آمنة ومجهزة تمكن العاملين والشركات الناشئة من الإنتاج.
دعم المجتمع الدولي: تقديم مساعدات مادية ولوجستية لتعويض خسائر الشركات والأفراد.
مستقبل قطاع التكنولوجيا في غزة
رغم التحديات، يبقى الأمل حاضرًا بفضل عزيمة العاملين وإبداعهم في التكيف مع الأوضاع. ومع تقديم الدعم المناسب، يمكن أن يصبح قطاع التكنولوجيا في غزة نقطة انطلاق نحو إعادة بناء اقتصاد القطاع المحاصر وتحسين أوضاع الشباب فيه