بعد أن أعلن رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر، التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، برعاية قطر زمصر والولايات المتحدة الأمريكية. الاتفاق، الذي وُقّع في الدوحة، يمثل انفراجة بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة التي هدفت إلى إنهاء القتال المستمر وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
ومن أبرز بنود الاتفاق
وينص الاتفاق على خطوات محورية تبدأ بالمرحلة الأولى في 27 يناير 2024، وتشمل:
تبادل الأسرى: إطلاق سراح 33 رهينة مقابل 110 أسرى فلسطينيين، مع التركيز على المرضى وكبار السن والأطفال.
انسحاب القوات الإسرائيلية: انسحاب تدريجي من المناطق المكتظة، وفتح المعابر الرئيسية لتسهيل الحركة وإدخال المساعدات.
فتح معبر رفح: تشغيل المعبر بشكل دائم لنقل الإمدادات الإنسانية والحالات المرضية للعلاج في الخارج.
إعادة النازحين: بدء عودة تدريجية للسكان إلى مناطقهم في اليوم السابع من التنفيذ.
رغم توقيع الاتفاق، لا يزال النقاش محتدمًا داخل إسرائيل حول مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب. ويبدو أن التوجهات الإسرائيلية بشأن "اليوم التالي" تتأرجح بين رؤى متضاربة، تعكس انقسامات حادة داخل الحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا في الكابينيت السياسي-الأمني.
ملامح النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية
منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة في غزة، لم تتبلور رؤية واضحة لدى القيادة الإسرائيلية حول شكل الإدارة المقبلة للقطاع. يتمحور النقاش الحكومي حول أربعة أبعاد رئيسية:
البُعد السياسي: من سيحكم غزة؟ وهل سيكون ذلك عبر السلطة الفلسطينية، أم إدارة دولية، أم طرف جديد؟
البُعد الأمني: ماذا سيحدث لسلاح المقاومة؟ وهل سيتم نزع الأسلحة وتدمير البنية العسكرية بالكامل؟
البُعد الإداري: كيف ستُدار الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي؟
البُعد الاقتصادي: كيف ستتم إعادة إعمار القطاع؟ ومن سيشرف على المساعدات الدولية والإقليمية؟
لاءات نتنياهو: استراتيجية الغموض والمخاطر
يقود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توجهًا يعتمد على ما يسمى "لاءات أربع" ترفض استمرار حكم حماس، عودة السلطة الفلسطينية، بقاء سلاح المقاومة، أو انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من القطاع.
لكن هذا التوجه يثير انتقادات واسعة لغياب البدائل الواضحة، حيث تُطرح أسئلة حول إمكانية إعادة احتلال غزة أو إقامة مستوطنات جديدة، وهو ما يعكس انقسامًا داخل الحكومة ذاتها.
تصريحات مثيرة للجدل من وزراء الحكومة
تصريحات الوزراء في الحكومة الإسرائيلية تعكس اختلاف الرؤى بشأن مستقبل غزة:
بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية): يرى أن إسرائيل يجب أن تبقى في غزة لفترة طويلة، مشيرًا إلى ضرورة تقسيم القطاع إلى مناطق إدارية عسكرية تحت السيطرة الإسرائيلية.
آفي ديختر (وزير الزراعة): دعا إلى سيطرة عسكرية كاملة على القطاع، مشددًا على أن أي طرف فلسطيني لن يكون قادرًا على ضبط الوضع الأمني.
يسرائيل كاتس (وزير الدفاع): أعلن خططًا لفرض سيطرة أمنية شاملة على القطاع، مع إبقاء حرية الحركة للإسرائيليين، على غرار الوضع في الضفة الغربية.
في المقابل، دعا بيني غانتس، المنافس السياسي البارز، إلى إنشاء إدارة دولية متعددة الأطراف لإدارة غزة، تضم جهات أميركية وأوروبية وعربية، مع استبعاد حماس والسلطة الفلسطينية. هذه الإدارة ستكون مسؤولة عن إعادة الإعمار وتقديم الخدمات، مع إبقاء الأمن بيد إسرائيل.
مواقف متباينة بشأن إعادة الإعمار
يشكل ملف إعادة إعمار غزة نقطة خلافية أخرى. بينما تحاول بعض الأطراف الإسرائيلية الدفع باتجاه تنسيق دولي واسع لضمان مراقبة استخدام الأموال، يعارض آخرون أي تدخل دولي يرونه تهديدًا للسيادة الإسرائيلية.
في هذا السياق، يشير الخبراء إلى أن أي عملية إعادة إعمار ستعتمد على شروط صارمة يفرضها الممولون الإقليميون والدوليون، ما يضع إسرائيل أمام تحديات دبلوماسية جديدة.
التحديات أمام الحكومة الإسرائيلية
رغم التباينات، تواجه الحكومة الإسرائيلية عدة تحديات أساسية في صياغة سياساتها المستقبلية تجاه غزة:
رفض دولي للاستيطان والتهجير:
تعتبر الأمم المتحدة ودول أوروبية أن الاستيطان في الأراضي المحتلة ينتهك القانون الدولي، ما قد يعرض إسرائيل لضغوط متزايدة.
المقاومة الفلسطينية:
لا يزال القطاع يشكل قاعدة للمقاومة المسلحة، مما يجعل أي خطوة لإعادة احتلاله محفوفة بالمخاطر.
الأزمة الإنسانية:
يعاني القطاع من تدهور حاد في الخدمات الأساسية، ما يضع إسرائيل أمام مسؤولية إنسانية ودولية لإعادة الإعمار.
الضغوط الداخلية:
تعكس انقسامات الحكومة ضعف التوافق حول مستقبل غزة، ما قد يعيق اتخاذ قرارات استراتيجية في الوقت المناسب.
سيناريوهات المستقبل
تطرح التصريحات والمواقف داخل الحكومة الإسرائيلية ثلاثة سيناريوهات محتملة لـ"اليوم التالي" للحرب:
احتلال كامل وإعادة الاستيطان:
يتبنى هذا السيناريو بعض أعضاء الحكومة، مثل إيتمار بن غفير، الذين يدعون إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة مستوطنات جديدة في غزة.
إدارة دولية:
يروج لها غانتس وأطراف معارضة أخرى، وتتضمن إنشاء إدارة تكنوقراطية بإشراف دولي لإعادة إعمار القطاع وضمان استقراره.
إطالة أمد الوضع الراهن:
يتمثل في الحفاظ على حالة الجمود عبر استمرار الحصار والضربات العسكرية دون حلول سياسية شاملة، وهو ما يبدو الأقرب إلى سياسة نتنياهو الحالية.
ختامًا: غزة بين الجمود والخيارات الصعبة
يبقى مستقبل غزة بعد الحرب رهنًا بالتطورات الميدانية والسياسية. وبينما تسعى إسرائيل لتعزيز سيطرتها، تواجه تحديات محلية ودولية تجعل الخيارات المطروحة أكثر تعقيدًا. السؤال المطروح الآن: هل ستنجح الحكومة الإسرائيلية في صياغة رؤية واضحة لـ"اليوم التالي"، أم أن الغموض سيظل سيد الموقف؟