تعرض الاقتصاد الفلسطيني لتحديات غير مسبوقة نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الذي استمر لأكثر من 460 يومًا. مارست إسرائيل خلاله حرب إبادة شاملة أدت إلى تدمير هائل للبنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة وانهيار الخدمات الأساسية. تدهورت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في غزة والضفة الغربية بوتيرة متسارعة، ويستعرض هذا التقرير، المستند إلى بيانات حديثة من البنك الدولي، الجوانب المختلفة للأزمة بما في ذلك الانكماش الاقتصادي والتضخم وانعدام الأمن الغذائي والأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية.
الأثر الاقتصادي المباشر: تراجع الناتج المحلي الإجمالي
شهد الاقتصاد الفلسطيني انكماشًا كبيرًا حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26% في عام 2024. تحملت غزة النصيب الأكبر من هذا الانكماش، حيث سجلت تراجعًا بنسبة 86% خلال النصف الأول من العام نفسه، بينما كان الانكماش في الضفة الغربية أقل حدة لكنه وصل إلى 23%. تأثرت القطاعات الحيوية بشكل مباشر، حيث تراجع قطاع البناء بنسبة 42%، وقطاع التصنيع بنسبة 30%، وقطاع الخدمات بنسبة 23%، في حين سجل قطاعا التجارة والنقل انخفاضًا بنسبة 22% و26% على التوالي.
البطالة وتدهور سوق العمل
تفاقمت أزمة البطالة بشكل غير مسبوق نتيجة الحرب. في غزة تجاوزت معدلات البطالة 80% حيث فقد آلاف العمال وظائفهم في القطاعات التي تعرضت للتدمير مثل البناء والتجارة، بينما أدت القيود الإسرائيلية المشددة في الضفة الغربية إلى ارتفاع البطالة إلى 35%. سوق العمل شهد تحولات خطيرة تمثلت في زيادة الاعتماد على العمالة غير الرسمية وانتشار عمالة الأطفال بسبب تدهور الظروف المعيشية.
التضخم وانعدام الأمن الغذائي
تواجه غزة أزمة تضخم خانقة نتيجة الحصار الإسرائيلي وانقطاع سلاسل التوريد، حيث سجلت أسعار السلع الأساسية زيادات هائلة. ارتفعت أسعار الطماطم بنسبة 2400%، بينما سجلت أسعار الدقيق زيادة بنسبة 2150%، ووصلت زيادات أسعار السكر إلى 900%. هذه الأزمة أدت إلى نقص حاد في الغذاء يعاني منه 91% من سكان غزة، بينما يعيش 345 ألف شخص في ظروف كارثية. الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر تضررًا حيث يفتقر 96% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-23 شهرًا إلى الحد الأدنى من التنوع الغذائي اللازم.
تدمير البنية التحتية والقطاع الخاص
تعرضت البنية التحتية في غزة لتدمير شامل، حيث تضررت 88% من المنشآت الاقتصادية. دُمرت 70% من الطرق و90% من المنازل بالكامل، فيما تعرضت 80% من المنشآت التجارية لأضرار جسيمة. انقطاع الكهرباء تسبب في توقف النشاط الاقتصادي تمامًا نتيجة تدمير محطة توليد الكهرباء وغياب الوقود، مما جعل السكان يعتمدون على مولدات الديزل المكلفة وغير المستدامة.
الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية
تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة نتيجة الاقتطاعات الإسرائيلية المتزايدة من عائدات الضرائب، حيث ارتفعت الاقتطاعات إلى 500 مليون شيكل شهريًا، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات بنسبة 50% مقارنة بالعام السابق. فجوة التمويل بلغت 1.04 مليار دولار حتى أكتوبر 2024، مما دفع السلطة إلى خفض رواتب الموظفين العموميين إلى 60-70%. تصاعدت الديون الداخلية للسلطة لتتجاوز 2.8 مليار دولار، مما زاد من تعقيد الوضع المالي.
أزمات القطاع المالي والبنكي
رغم التحديات، لا يزال القطاع المالي الفلسطيني صامدًا، حيث بلغ معدل كفاية رأس المال 16.1% في منتصف 2024. مع ذلك، تعرضت البنوك العاملة في غزة لخسائر كبيرة نتيجة تدمير 98% من فروعها وأجهزة الصراف الآلي. برزت الخدمات المالية الرقمية كبديل حيث شهدت المحافظ الإلكترونية والدفع الرقمي انتشارًا متزايدًا.
التوصيات والإصلاحات المطلوبة
معالجة الأزمة الاقتصادية تتطلب إجراءات عاجلة تشمل وقف العدوان الإسرائيلي لضمان استعادة الخدمات الأساسية وإعادة إعمار البنية التحتية. زيادة المساعدات الدولية لسد فجوة التمويل وتخفيف الأعباء المالية عن السلطة الفلسطينية ضرورة ملحة، إلى جانب إعادة بناء الاقتصاد المحلي من خلال دعم القطاع الخاص وتحفيز الأنشطة الاقتصادية في غزة والضفة الغربية. تنفيذ إصلاحات داخلية لتعزيز الحوكمة والشفافية لضمان استخدام المساعدات بكفاءة يمثل أولوية قصوى.
تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يمر بأسوأ أزماته منذ عقود في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر. الخروج من هذه الأزمة يتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا مع التزام السلطة الفلسطينية بتطبيق إصلاحات عاجلة لتخفيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.