شهدت جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي التي انعقدت مساء الجمعة واحدة من أكثر المناقشات تعقيدًا في تاريخ الحكومة الإسرائيلية، حيث استمرت لأكثر من سبع ساعات لمناقشة صفقة وقف إطلاق النار مع حركة حماس. وصفقة تباديل الاسرى الصفقة، التي تتضمن إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية في مرحلته الأولى.
خلفية الصفقة: ضغط داخلي ودولي
بدأت المناقشات وسط ضغط متزايد على حكومة بنيامين نتنياهو، الذي وجد نفسه عالقًا بين جناحين متضادين في حكومته اليمينية المتطرفة. في حين يرى فريق أن الصفقة ضرورة لإنقاذ الرهائن الإسرائيليين، يرفضها وزراء آخرون باعتبارها تنازلًا خطيرًا لحركة حماس، التي وصفتها الحكومة بأنها "ضعيفة ومعزولة" نتيجة الضربات الإسرائيلية.
وأشار نتنياهو خلال الجلسة إلى أن "حماس وافقت على الصفقة لأنها في أضعف حالاتها بعد الهجمات التي دمرت بنيتها التحتية العسكرية وشلت قدرتها على تهديد إسرائيل." وأضاف أن "الرئيسين بايدن وترامب قدما ضمانات لدعم إسرائيل إذا فشلت المفاوضات حول المرحلة الثانية."
تفاصيل الاتفاق: إطلاق سراح الأسرى مقابل الرهائن
بموجب الاتفاق، سيتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين على مراحل. تبدأ المرحلة الأولى يوم الأحد بإطلاق سراح ثلاثة رهائن، يليهم أربعة آخرون في اليوم السابع، على أن يستمر الإفراج عن المختطفين بشكل أسبوعي حتى اكتمال المرحلة الأولى التي تمتد إلى 42 يومًا. في المقابل، ستفرج إسرائيل عن 95 أسيرًا فلسطينيًا في اليوم الأول من هذه المرحلة.
المرحلة الثانية من الاتفاق، وفقًا لتصريحات نتنياهو، تعتمد على التزام حماس ببنود الاتفاق، مشددًا على أن الحكومة الإسرائيلية تحتفظ "بأدوات ضغط" في حال إخلال حماس بشروط الصفقة.
تحذيرات أمنية: مخاطر وقف إطلاق النار
حذر رئيس الشاباك رونان بار من أن حماس قد تستغل وقف إطلاق النار لاستعادة قوتها العسكرية وإعادة بناء بنيتها التحتية في غزة. وأشار إلى احتمالية تصاعد الهجمات في الضفة الغربية خلال الفترة المقبلة، مما يتطلب تكثيف الجهود الأمنية.
وأكد رئيس الأركان هرتسي هاليفي أن الجيش الإسرائيلي مستعد للعودة إلى القتال "بقوة مضاعفة" إذا لزم الأمر. وأوضح أن القوات الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود مع غزة ستزداد خلال المرحلة الأولى من الصفقة لضمان عدم استغلال حماس للوضع الأمني.
انقسام داخلي: التأييد والمعارضة
شهدت الجلسة انقسامًا واضحًا داخل الحكومة. وزراء الأحزاب الدينية، بمن فيهم وزير الداخلية موشيه أربيل ووزير البناء والإسكان يتسحاق جولدكنوبف، أيدوا الصفقة، مشيرين إلى أهمية تحرير الرهائن من منظور ديني وأخلاقي. وترك الوزراء المتدينون أوراق اقتراعهم لصالح الصفقة قبل مغادرتهم الجلسة بسبب حلول السبت.
من ناحية أخرى، أعرب وزراء اليمين المتطرف، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، عن معارضتهم الشديدة، وهدد بن غفير بالاستقالة إذا تمت الموافقة على الصفقة. واعتبروا الاتفاق استسلامًا للإرهاب ويشكل خطرًا على أمن إسرائيل.
غضب شعبي وتداعيات دولية
في الوقت الذي انشغلت فيه الحكومة بمناقشة الصفقة، اشتد الغضب الشعبي والدولي ضد حرب الابادة الجماعية التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة خلفت عشرات الألاف من الشهداء والجرحي في قطاع غزة وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل. وطالبت مؤسسات الامم المتحدة والحقوقية المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
على الجانب الفلسطيني، رأت الفصائل في غزة أن الصفقة انتصار كبير بعد أكثر من 460 يوم من القصف المكثف. وأكدت مصادر فلسطينية أن إطلاق سراح الأسرى يمثل خطوة مهمة في مواجهة ما وصفته بـ"العدوان الإسرائيلي المستمر."
تحديات ما بعد الصفقة
يرى مراقبون في اسرائيل بحسب ما نقلت يديعوت احرونوت أن تنفيذ الصفقة قد يفتح الباب لجولة جديدة من التصعيد إذا شعرت أي من الأطراف بخروقات في التنفيذ. وحذر رئيس الموساد ديدي برنيع من أن إسرائيل قد تضطر للعودة إلى القتال إذا لم تلتزم حماس بشروط الصفقة، لكنه أشار إلى أن هناك مصلحة لحماس في احترام الاتفاق لضمان تمديد وقف إطلاق النار.
في الوقت نفسه، تواجه حكومة نتنياهو ضغوطًا متزايدة من المجتمع الإسرائيلي الذي بات منقسمًا حول جدوى الحرب وتداعياتها الإنسانية والسياسية. واعتبر بعض المحللين أن الصفقة تمثل اعترافًا ضمنيًا بأن الحل العسكري وحده لا يمكن أن يحقق الأمن لإسرائيل.
بين التحذيرات الأمنية والانقسامات الداخلية والغضب الدولي، يواجه نتنياهو وحكومته اختبارًا سياسيًا وأمنيًا صعبًا. وعلى الرغم من موافقة الحكومة على الصفقة، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الخطوة بداية لإنهاء الصراع أم مجرد هدنة قصيرة تسبق مرحلة جديدة من التصعيد؟