يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ اليوم بعد حرب إبادة جماعية غير مسبوقة شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023 التي شنتها حماس على إسرائيل، بعد 471 يوماً من القتل العشوائي القصف المتواصل حوّلت القطاع إلى أرض يملؤها الدمار وأشلاء الضحايا. لم تكن هذه حرباً عادية، بل كانت هجوماً شاملاً على البشر والحجر، دمرت فيها الحياة وسُحقت أحلام أجيال بأكملها.
تأتي هذه الهدنة بعد حملة عسكرية هي الأعنف في تاريخ الصراع، خاضتها إسرائيل ضد قطاعٍ محاصر منذ أكثر من 16 عامًا، لكن الجروح التي خلفتها الحرب تحتاج إلى عقودٍ لتندمل.
ووفقًا لتقارير صادرة عن مراكز حقوق الإنسان في فلسطين، فقد أدت حرب الإبادة إلى تدمير شامل للبنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، مما أجبر السكان على مواجهة تهجير قسري جماعي وتجويع ممنهج. كما فرضت قوات الاحتلال قيودًا صارمة على دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها، بالإضافة إلى تبني سياسات تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.
أرقام تشهد على الكارثة
بحسب الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد الشهداء منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، 46,899 شهيد و 110,725 اصابة، بينهم 17,841 طفلاً و12,298 امرأة. أكثر من 109,274 جريحاً يعانون في مستشفيات منهكة أو تحت الأنقاض. ولا تزال فرق الإسعاف تبحث عن جثث مدفونة تحت الركام، حيث تعجز المعدات عن الوصول إليهم.
عائلات بأكملها أُبيدت: 1,600 عائلة فلسطينية اختفت من السجل المدني بعد أن قُتل الأب والأم وجميع الأبناء. 3,471 عائلة أخرى لم يبقَ منها سوى فرد واحد فقط.
شهادات من قلب المأساة
"لقد دمرتنا الحرب ،" تقول فاطمة الأخرس، التي فقدت ابنتها الصغيرة في قصف إسرائيلي على حي الزيتون.
تصف فاطمة لحظات الكارثة: "كانت ابنتي تحضنني بشدة عندما سقط المنزل فوق رؤوسنا. سمعت صوتها يهمس لي تحت الأنقاض، لكن عندما وصلنا المستشفى، كانت قد فارقت الحياة. الآن، لم يعد لدي شيء أعيش من أجله."
محمد السالمي، الذي فقد أسرته المكونة من سبعة أفراد، يقف وسط أنقاض منزله قائلاً:
"كان هذا منزلي، عالمي، ومستقبلي. الآن لا أملك سوى الركام. أنا لست على قيد الحياة، فقط أتنفس لأنتظر دورًا آخر في الموت."
دمار غير مسبوق: حرب على كل شيء
تجاوزت الحرب في غزة استهداف البشر إلى محاولة إبادة كل مقومات الحياة.
البنية التحتية دُمّرت بالكامل: 88% من القطاع بات غير صالح للسكن، 161,600 وحدة سكنية دُمّرت كلياً، بينما تضررت 194,000 وحدة جزئياً، شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي شُطبت عملياً من الوجود.
مرافق حيوية خارج الخدمة: تم استهداف 34 مستشفى و80 مركزاً صحياً، مما أدى إلى انهيار النظام الصحي بالكامل. 823 مسجداً و3 كنائس تحولت إلى أنقاض.
إبادة الأمل: التعليم في غزة في خطر
مع استمرار الحرب، باتت الحياة التعليمية في غزة شبه معدومة. قُتل 12,794 طالباً وطالبة، ودُمرت 136 مدرسة وجامعة بشكل كامل. تشير التقارير إلى أن 785,000 طالب وطالبة حُرموا من حقهم في التعليم.
يقول عمر، طالب في الصف الثامن: "لم أذهب إلى المدرسة منذ أكثر من عام. فقدت أصدقائي، وأخشى أنني فقدت أيضاً مستقبلي".
غزة تتنفس بصعوبة: أزمة إنسانية خانقة
2 مليون نازح يعيشون في ظروف مأساوية داخل خيام متهالكة، حيث يعاني أكثر من 110,000 خيمة من التمزق والانهيار. 12,660 جريحاً بحاجة ماسة للسفر للعلاج، لكن الحصار يغلق كل الأبواب. 60,000 امرأة حامل و350,000 مريض مزمن يواجهون الموت بسبب نقص الرعاية الصحية والأدوية. 3,500 طفل معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية والجوع.
شهادات الناجين: بين الموت والبقاء
تحدث محمود، أحد الناجين من قصف استهدف مركز إيواء، قائلاً: "لم يكن هناك مكان آمن. عندما بدأ القصف على المركز، ركضنا باتجاه البحر، لكن الصواريخ كانت تلاحقنا. فقدت أطفالي الأربعة في لحظة واحدة."
أما رندة، التي تعيش في خيمة بمخيم النصيرات، فتقول: "البرد هنا يقتلنا. طفلي ذو الثلاث سنوات مات الأسبوع الماضي بسبب البرد. نحن لسنا أحياء، نحن فقط ننتظر الموت في أي لحظة."
ماذا بعد وقف إطلاق النار؟
يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وسط دعوات دولية لبدء إعادة الإعمار وتخفيف الحصار. لكن المشهد في غزة يكشف أن الطريق إلى التعافي طويل وشاق.
إعادة الإعمار: يُقدر حجم الخسائر الاقتصادية بـ37 مليار دولار، وهي خسائر يصعب تعويضها في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي.
العدالة المفقودة: مع غياب أي تحقيقات دولية جادة في جرائم الحرب، يبقى احتمال تكرار هذا السيناريو الدموي قائماً.
غزة الجرح المفتوح
تختتم غزة فصلًا دامياً في تاريخها، لكنها تدخل مرحلة جديدة مثقلة بالتحديات. على الرغم من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إلا أن الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب تحتاج إلى عقود لتُمحى آثارها.
غزة، التي أصبحت رمزًا للصمود والمعاناة، تبعث برسالة إلى العالم: "نحن لا نطلب المستحيل. نريد فقط حقنا في الحياة. نريد أن يكبر أطفالنا دون خوف، وأن نحيا بكرامة كباقي شعوب الأرض."
لكن يبقى السؤال: هل سيمنح العالم غزة فرصة للحياة؟ أم أن وقف إطلاق النار مجرد استراحة قصيرة في صراع طويل الأمد؟