تحليل لجنة الإسناد المجتمعي في غزة: بين الآمال المطروحة والعوائق الميدانية

مخيم جباليا شمال قطاع غزة

مع دخول وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، لا يزال البحث جارياً حول مستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وسط صراع محتدم بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية. برز في هذا السياق المقترح المصري الذي ينص على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي في غزة، والذي لاقى قبولاً من الفصائل الفلسطينية المناهضة للسلطة، بينما قوبل برفض صريح من قبل القيادة الفلسطينية. يعد هذا المقترح أحد الخيارات المطروحة لإدارة القطاع في المرحلة الانتقالية، لكنه يواجه تحديات معقدة قد تعيق تطبيقه.

موقف السلطة الفلسطينية من مقترح اللجنة

عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار، أكدت الرئاسة الفلسطينية استعدادها التام لتولي مسؤولياتها في قطاع غزة. وصرّحت بأن الحكومة الفلسطينية، وبتوجيهات من الرئيس محمود عباس، أنهت جميع التحضيرات لتقديم الخدمات الأساسية للقطاع، بما في ذلك المياه والكهرباء واستلام المعابر، وبدء عملية إعادة الإعمار. شددت الرئاسة على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وأن الولاية القانونية والسياسية للقطاع تعود للسلطة الفلسطينية فقط.

ما هي لجنة الإسناد المجتمعي؟

تُعد لجنة الإسناد المجتمعي في غزة هيئة مقترحة لإدارة شؤون القطاع بعد انتهاء الحرب، وتركز على الجوانب الخدمية والإنسانية بعيداً عن التجاذبات السياسية. تضم اللجنة شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة، ويُشرف على عملها رئيس الوزراء الفلسطيني. تهدف اللجنة إلى تخفيف معاناة سكان غزة من خلال عدة محاور رئيسية تشمل:

إدارة الأزمات الإنسانية: توفير الإغاثة للنازحين والمتضررين.

إعادة إعمار القطاع: إنشاء صندوق دولي بإشراف الدول المانحة.

تشغيل المرافق العامة: ضمان استمرارية الخدمات الأساسية.

تنظيم المعابر: التنسيق مع السلطة الفلسطينية والجهات الدولية لإدارة المعابر.

خلفية المقترح وظروف إعلانه

جاء الإعلان عن اللجنة كجزء من الترتيبات التي تم بحثها خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، بمشاركة ممثلين عن الفصائل الفلسطينية. ورغم التوافق المبدئي بين حركتي حماس والجبهة الشعبية، قوبل المقترح برفض قاطع من قبل منظمة التحرير الفلسطينية.

يُنظر إلى لجنة الإسناد المجتمعي كخطوة ضمن سلسلة من المبادرات الإقليمية والدولية لإعادة إعمار غزة، لكن الخلافات السياسية الداخلية وتدخلات الأطراف الخارجية تجعل تنفيذ هذا المقترح أمراً صعباً.

أهداف اللجنة وصلاحياتها

وفقاً للمقترح، تتمتع اللجنة بصلاحيات واسعة لإدارة الملفات الإنسانية والخدمية في غزة، بينما تظل القضايا الأمنية والإستراتيجية محل خلاف. تشمل صلاحيات اللجنة ما يلي:

الصحة والتعليم: إعادة تشغيل المستشفيات والمدارس التي دمرتها الحرب.

الإغاثة الإنسانية: توزيع المساعدات وتأمين احتياجات السكان الأساسية.

إعادة الإعمار: تنفيذ مشاريع بنية تحتية بالتنسيق مع الدول المانحة.

تشغيل المعابر: إدارة معبر رفح وفق اتفاقية 2005 بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

لكن غياب رؤية واضحة للملف الأمني يجعل اللجنة عرضة للخلافات بين الفصائل الفلسطينية.

ردود الأفعال على المقترح

موقف السلطة الفلسطينية

عبّرت السلطة الفلسطينية عن رفضها القاطع لتشكيل اللجنة، معتبرةً أنها تقوّض وحدة الأراضي الفلسطينية، وتعزز الانقسام بين الضفة الغربية وغزة. وطالبت السلطة بأن تُدار غزة حصراً من قبل الحكومة الفلسطينية، في إطار مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.

موقف حماس والفصائل الأخرى

على الجانب الآخر، رحبت حركة حماس بالمقترح، مشيرةً إلى أنه يمثل حلاً عملياً لمعالجة الأزمات الإنسانية في القطاع. كما دعمت الفصائل الأخرى، مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، تشكيل اللجنة، مع التأكيد على ضرورة أن تكون قراراتها قائمة على التوافق الوطني.

الموقف الإسرائيلي

لم تعلن إسرائيل عن موقف رسمي من اللجنة، لكنها استمرت في فرض شروط تعيق أي ترتيبات مستقبلية قد تمنح حماس دوراً مهماً في إدارة القطاع. تتحكم إسرائيل بشكل كبير في المعابر وإمدادات المواد الأساسية، مما يجعلها لاعباً مؤثراً على أي جهود لإعادة الإعمار.

التحديات التي تواجه لجنة الإسناد المجتمعي

غياب التوافق الفلسطيني يعد غياب التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية أبرز العقبات أمام نجاح اللجنة. لا تزال السلطة وحماس على خلاف عميق حول القضايا الأمنية وإدارة القطاع.

التدخل الإسرائيلي تحاول إسرائيل فرض واقع سياسي جديد في غزة عبر التحكم في المعابر وإمدادات إعادة الإعمار.

المواقف الدولية ترتبط أي جهود لإعادة الإعمار بمواقف الدول المانحة، التي قد تفرض شروطاً سياسية على اللجنة، لا سيما في ظل الموقف الأمريكي الرافض لوجود حماس في إدارة القطاع.

الأزمة الإنسانية والاقتصادية تسبب الدمار الواسع الذي خلفته الحرب في تعقيد مهمة اللجنة، حيث تتطلب إعادة الإعمار موارد مالية هائلة ودعماً دولياً غير مشروط.

صعوبة تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي في ظل الظروف الحالية

رغم الآمال التي يحملها مقترح لجنة الإسناد المجتمعي في غزة، فإن تنفيذه يبدو بعيد المنال في ظل المعطيات الحالية. أكدت السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، أنها لن تسمح بوجود أي إدارة للقطاع خارج إطار الحكومة الفلسطينية. كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة أبدت موقفاً صارماً برفض أي دور لحماس أو الفصائل الفلسطينية في إدارة إعادة الإعمار أو التحكم في مقدرات القطاع.

إلى جانب ذلك، فإن استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، وغياب رؤية موحدة حول إدارة غزة، يزيد من تعقيد المشهد. بينما يبقى السكان هم الأكثر تضرراً، تتطلب المرحلة المقبلة توافقاً فلسطينياً حقيقياً ودعماً دولياً عادلاً لتجنب تعميق الأزمة الإنسانية في القطاع.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة