يشهد شارعا الرشيد وصلاح الدين وسط قطاع غزة تجمعًا كبيرًا لعشرات الآلاف من النازحين الذين ينتظرون بفارغ الصبر السماح لهم بالعودة إلى ديارهم في مدينة غزة وشمال القطاع، بعد أن أجبرهم العدوان الإسرائيلي الأخير على النزوح إلى الجنوب.
مشاهد جوية لآلاف الفلسطينيين الذين ينتظرون شوقاً للعودة إلى شمال غزة بعد شهور من النزوح تحت القصف pic.twitter.com/ZpqdIqIkDj
— وكالة قدس نت للأنباء (@qudsnet) January 26, 2025
ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ قبل أسبوع، ما زال الاحتلال الإسرائيلي يمنع عودة النازحين إلى الشمال، متمسكًا بشروط، من بينها الإفراج عن المحتجزة أربيل يهودا، الأمر الذي فاقم معاناة آلاف الأسر.
ويضطر النازحون لانتظار قرار العودة في العراء وسط أجواء باردة، حيث قضى العديد منهم الليلة الماضية على شاطئ البحر في العراء ومن حالفه الحظ يلجلس في سيارات وعلى الطرقات وبعضهم نصب خيام بدائية لتجنب البرد.
إصرار على العودة رغم المخاطر
وفي مشهد يعكس عمق المأساة، تحكي سارة بكر، وهي حامل في شهرها السابع، عن عزمها العودة إلى بيتها المجهول المصير، قائلة: "سأعود حتى لو اضطررت للسير على قدميّ لمسافة طويلة. لا خيار آخر سوى العودة."
فيما يضيف النازح إسماعيل الشنباري، الذي دُمر منزله في بلدة بيت حانون: "لا نملك سوى الركام والخيام. سنعيد بناء حياتنا بأي شكل، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا."
وبالرغم من القلق من استهداف الاحتلال للمسيرة الجماعية للعودة، إلا أن النازح محمد الكحلوت (46 عامًا) يعبر عن شعور مشترك بين الجميع: "القتل يلاحقنا في الشمال والجنوب، لكننا سنعود إلى ديارنا مهما كان الثمن."
مأساة النزوح الممتدة
الدمار الذي خلفته الحرب على غزة، والتي استمرت لمدة 470 يومًا بين أكتوبر 2023 ويناير 2025، كان كارثيًا على جميع الأصعدة. فقد أودى العدوان بحياة أكثر من 158 ألف بين شهيد وجريح ، معظمهم من الأطفال والنساء، وأدى إلى تهجير نحو 1.93 مليون مواطن، أي أكثر من 85% من سكان القطاع. فيما أصبح أكثر من 1.6 مليون مواطن يعيشون في مراكز إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
وخلال فترة النزوح الطويلة، أحرقت العديد من العائلات الأخشاب التي استخدمتها سابقًا لبناء خيامها للحصول على التدفئة، بينما تنقل أخرى أغطيتها وممتلكاتها البسيطة على عربات وشاحنات استعدادًا للعودة. لكن بالنسبة للعديد منهم، العودة تعني مواجهة واقع مرير من المنازل المدمرة والمفقودين تحت الأنقاض.
"خيمة فوق الركام" خيار أخير
بالنسبة لكثير من العائلات، فإن نصب الخيام فوق أنقاض المنازل أصبح رمزًا للإصرار على الحياة.
يقول عوني شلح، الذي فقد ستة من أفراد عائلته ودُمر منزله في حي الشجاعية: "اشتقنا لغزة، حتى لو كانت خيمة فوق الركام، فهي أفضل من العيش في النزوح."
وفي ظل هذه الأوضاع، تزداد الضغوط على الجهات الدولية لتقديم الدعم العاجل للقطاع المدمر.
التقديرات تشير إلى أن أكثر من 80% من البنى التحتية في غزة قد تضررت، ما يجعل العودة وإعادة الإعمار مهمة شبه مستحيلة في ظل استمرار الحصار والمماطلات السياسية.
بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي التلاعب بشروط اتفاق وقف إطلاق النار، يبقى الأمل هو مفتاح الفرج بالنسبة للنازحين الذين ينتظرون فرصة للعودة إلى ما تبقى من حياتهم.