تدمير التربة في غزة: خطر صامت يهدد الزراعة

القطاع الزراعي في غزة: خسائر فادحة وتأثيرات كارثية على الأمن الغذائي

الاراضي الزراعية في غزة.jpg

تعد الأراضي الزراعية في قطاع غزة شريانًا حيويًا يربط المجتمع الفلسطيني بالاقتصاد المحلي، حيث تلعب دورًا محوريًا في تأمين الأمن الغذائي وتشغيل آلاف العاملين. لكن القطاع الزراعي في غزة يعاني هذا القطاع اليوم من تحديات غير مسبوقة بسبب سياسات التدمير والتجريف التي ابتعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة . هذه السياسات لم تقتصر على استهداف المباني أو البنية التحتية، بل طالت أيضًا التربة والأرض ومقومات الزراعة، ما أدى إلى أضرار اقتصادية وإنسانية بعيدة المدى.

الأهمية الاقتصادية للأراضي الزراعية في قطاع غزة

تشكل الأراضي الزراعية حوالي 41% من مساحة قطاع غزة، وهي مساحة صغيرة نسبيًا لكن ذات أهمية استراتيجية للاقتصاد المحلي. يعتمد سكان غزة على إنتاج الأراضي الزراعية لتوفير الغذاء الأساسي، مثل الخضروات، الفواكه، والزيوت. كما تساهم هذه الأراضي في تصدير بعض المنتجات الزراعية إلى الأسواق الإقليمية، مما يوفر دخلًا إضافيًا للمزارعين ويدعم الاقتصاد المحلي.

بحسب البيانات المتوفرة، فإن القطاع الزراعي يشكل مصدر دخل مباشر وغير مباشر لعشرات آلاف الأسر. يتشابك هذا القطاع مع أنشطة اقتصادية أخرى مثل الصناعات الغذائية والتجارة، مما يعزز دوره في الناتج المحلي الإجمالي. ولكن، تعرض القطاع لضربات مدمرة وساحقة، خاصة خلال حرب الإبادة الجماعية الأخيرة، مما أثر سلبًا على مساهمته الاقتصادية.

التدمير الممنهج للأراضي الزراعية

تشير التقارير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسات ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية التحتية الزراعية في قطاع غزة. خلال العدوان الأخير، تم تدمير وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، بلغت حوالي 78% من إجمالي الأراضي المزروعة. ومن أبرز المحافظات المتضررة:

شمال غزة: بلغت نسبة الأضرار حوالي 78.2%. مدينة غزة: تعرضت 76% من أراضيها الزراعية للتدميرخانيونس: سجلت أعلى مساحة من الأراضي المتضررة، حيث وصلت النسبة إلى 61.5%.

ويقول أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة لوكالة قدس نت للأنباء، "العدوان الإسرائيلي الأخير كان له تأثير مدمر على القطاع الزراعي في غزة. الأراضي الزراعية تم تجريفها بشكل واسع، وشبكات المياه ومحطات التحلية تعرضت لتدمير كبير. كما تسبب منع دخول مستلزمات الإنتاج الزراعي في أزمة خانقة للمزارعين، مع خسائر شملت مزارع الدواجن، الحيوانات، ومزارع الأسماك. كل هذا فاقم من أزمة الأمن الغذائي. نحن بحاجة ماسة إلى دعم دولي مستدام يعيد تأهيل البنية التحتية الزراعية ويضمن توفير مدخلات الإنتاج بشكل عاجل."

ويضيف الشوا "القطاع الزراعي يواجه تحديات هائلة نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت به جراء العدوان الإسرائيلي الأخير. وبيّن أن هذه الأضرار تتطلب استجابة فورية وتضافر الجهود المحلية والدولية لإعادة تأهيل القطاع وضمان استدامته في مواجهة الظروف الصعبة".

ويواجه القطاع الزراعي في غزة تحديات غير مسبوقة نتيجة التدمير الممنهج الذي طال الأراضي الزراعية والبنية التحتية. هذا الدمار أدى إلى أضرار جسيمة أثرت على الإنتاج الزراعي وسلاسل التوريد، مما زاد من معاناة المزارعين.

من جهته أكد علي وافي، مدير البرامج في الإغاثة الزراعية لوكالة قدس نت للأنباء أن أبرز التحديات تشمل تدمير البنية التحتية الزراعية وتجريف معظم الطرق الزراعية والآبار والمشاتل. هذا التدمير أثر بشكل كبير على قدرة المزارعين على الإنتاج والاستمرارية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف متزايدة بشأن التلوث البيئي، حيث من المحتمل أن يكون للأسلحة المستخدمة تأثير سلبي على التربة والمياه والهواء، مما يهدد استدامة الزراعة في المستقبل.

أثر التدمير على الإنتاج الزراعي

لم تتوقف الأضرار عند التجريف المباشر، بل امتدت إلى إلحاق أضرار جسيمة بمختلف مكونات القطاع الزراعي، بما في ذلك المحاصيل والبنية التحتية. على سبيل المثال:

المحاصيل الزراعية: سجلت الخضروات والبساتين النسبة الأكبر من الخسائر، حيث تضررت حوالي 71.2% من المساحات المزروعة بالأشجار والبساتين. كما شملت الأضرار المحاصيل الحقلية مثل القمح والشعير.

البنية التحتية الزراعية: تعرضت آلاف الآبار والدفيئات الزراعية للتدمير. تشير الإحصائيات إلى تضرر حوالي 1,188 بئرًا زراعيًا و5,779 دونمًا من الدفيئات الزراعية.

ويؤكد وافي أن تدمير الجمعيات القاعدية والتعاونيات أدى إلى ضعف تمثيل المزارعين وصعوبة وصولهم إلى الدعم اللازم. كما أدى انهيار القطاع الخاص إلى فقدان عدد كبير من المصانع والمخازن الزراعية، مما تسبب في نقص حاد في المدخلات الزراعية الأساسية التي يعتمد عليها الإنتاج المحلي.

تأثيرات التدمير على الأمن الغذائي

أسهم تدمير الأراضي الزراعية في تعميق أزمة الأمن الغذائي في قطاع غزة. قبل العدوان، كان القطاع الزراعي يحقق نسب اكتفاء ذاتي مرتفعة في إنتاج الخضروات والفاكهة، حيث وصلت نسبة الاكتفاء إلى 95% لبعض المحاصيل. لكن مع تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية، انخفض الإنتاج المحلي بشكل كبير، مما أجبر السكان على الاعتماد على المساعدات الغذائية والسلع المستوردة.

وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن مستويات انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. تشير التقديرات إلى أن 91% من سكان غزة يواجهون انعدامًا حادًا للأمن الغذائي، بينما يواجه 345 ألف شخص مستويات كارثية من الجوع.

وأوضح أمجد الشوا أن العدوان الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر ركائز الأمن الغذائي، بما في ذلك الأراضي الزراعية، المزارع الحيوانية، مزارع الأسماك، وحتى المنشآت الزراعية. وأكد أن الجهود أسفرت عن إدخال كميات محدودة من البذور لدعم الزراعة المحلية وتحفيز المزارعين على استغلال المساحات الصغيرة للزراعة، في محاولة لإنعاش القطاع الزراعي جزئيًا.

وأضاف الشوا أن تدمير الأراضي الزراعية، شبكات المياه، ومحطات التحلية، إلى جانب منع دخول مستلزمات الإنتاج الزراعي، تسبب في تفاقم معاناة المزارعين وأدى إلى خسائر فادحة شملت مزارع الدواجن، الحيوانات، والأسماك. وبيّن أن القطاع بحاجة ماسة إلى دعم دولي مستدام لإعادة تأهيل بنيته التحتية وتوفير مدخلات الإنتاج بشكل عاجل.

وشدد موافي أنه في ظل تصاعد انعدام الأمن الغذائي وتراجع الإنتاج تعمل الإغاثة الزراعية من خلال عدد من البرامج لدعم المزارعين وتعزيز استدامة الزراعة حيث يتم تنفيذ برامج لحماية الأراضي المزروعة من خلال توفير الإرشاد الزراعي والمدخلات اللازمة وتعمل المؤسسة على إعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية مثل حفر الآبار وتمديد خطوط الري لزيادة المساحات المزروعة كما يتم تنفيذ حملات مناصرة لحماية حقوق المزارعين والمطالبة بتسهيل إدخال المواد الزراعية الضرورية

الأثر الاقتصادي الأوسع

إن تدمير القطاع الزراعي في غزة لم يقتصر على التأثير على الأمن الغذائي فحسب، بل امتد ليشمل جوانب أخرى من الاقتصاد المحلي. فقد أدى تدمير هذا القطاع إلى:

ارتفاع معدلات البطالة: نتيجة لفقدان آلاف العاملين في الزراعة لوظائفهم.

ارتفاع الأسعار: شهدت أسعار المنتجات الزراعية زيادات حادة خلال فترة العدوان. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الطماطم بنسبة 490%، وأسعار الدجاج بنسبة 80%.

تراجع الناتج المحلي الإجمالي: انخفضت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 93% خلال الربع الثاني من عام 2024 مقارنة بالعام السابق.

سياسات الاحتلال وتأثيرها على الزراعة

تتبع إسرائيل سياسات تخدم أهدافها طويلة المدى، حيث تسعى إلى تحويل المناطق الزراعية إلى مناطق عازلة. وفقًا للتقارير، أُنشئت منطقة عازلة تمتد حوالي 500 متر داخل قطاع غزة على طول السياج الحدودي. هذه السياسات تؤدي إلى مصادرة مزيد من الأراضي الزراعية، ما يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية.

كما أن استخدام الاحتلال لقنابل الفسفور والأسلحة الثقيلة أدى إلى تلوث التربة وجعلها غير صالحة للزراعة. تشير الدراسات إلى أن بعض الأراضي قد تستغرق سنوات طويلة قبل أن تعود إلى حالتها الطبيعية.

الحلول والمقترحات لدعم القطاع الزراعي

في ظل الوضع الحالي، يحتاج القطاع الزراعي في غزة إلى جهود مكثفة لإعادة الإعمار والتعافي. من أبرز التوصيات:

تعويض المزارعين: تقديم تعويضات مالية للمزارعين المتضررين لتمكينهم من إعادة بناء مشاريعهم الزراعية.

إعادة تأهيل الأراضي: تنفيذ برامج لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتضررة وإزالة المواد الكيميائية الضارة.

دعم الزراعة الذاتية: تشجيع مشاريع الزراعة المنزلية التي أثبتت فعاليتها خلال العدوان في توفير الغذاء للسكان.

التعاون الدولي: تعزيز الجهود الدولية لدعم القطاع الزراعي من خلال المساعدات المالية والفنية.

ويؤكد موافي أنه لمعالجة هذه الأزمات، وضعت المؤسسات الزراعية خطة طوارئ تهدف إلى تحديد أولويات التدخل لإنعاش القطاع الزراعي والمحافظة على قدرة المزارعين على الاستمرار في الإنتاج. تشمل هذه الخطة توسيع المساحات المزروعة وفق الموارد المتاحة، وإعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية، وتعزيز دور الجمعيات الزراعية والتعاونيات لضمان تمثيل المزارعين بشكل أفضل.

وأضاف تسعى المؤسسات الزراعية إلى تطوير رؤية وطنية لإعادة إعمار القطاع الزراعي، قائمة على تعزيز مفهوم السيادة الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على دعم الابتكار والتكنولوجيا الزراعية الحديثة كوسيلة لتحسين الإنتاجية والتغلب على التحديات البيئية والاقتصادية.

أما أمجد الشوا لفت إلى التعاون القائم مع مؤسسات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، موضحًا أن هذه الشراكات تهدف إلى إعداد تقارير دقيقة تشمل حجم الخسائر والاحتياجات الطارئة للمزارعين. وأضاف أن العمل جارٍ على تأهيل الأراضي الزراعية التي تعرضت للتلوث والتدمير، بالإضافة إلى إعادة بناء شبكات الري التي تُعد شريان الحياة للمزارعين في غزة.

وبشأن خطط تعزيز القطاع الزراعي وتحقيق الاستدامة، فقد أكد الشوا أن الجهود الحالية تركز على الاستجابة الإنسانية العاجلة والإنعاش المبكر. وذكر أن العمل جارٍ على توفير التربة المناسبة، الأسمدة، وترميم شبكات المياه المدمرة، بالإضافة إلى تعزيز صمود المزارعين من خلال برامج تدريبية وتشجيع الزراعة المنزلية.

إن الأراضي الزراعية في قطاع غزة ليست مجرد مصدر للغذاء أو الدخل، بل تمثل هوية وطنية وثقافية للشعب الفلسطيني. إلا أن السياسات التدميرية التي تنتهجها إسرائيل تسعى إلى قتل مقومات العيش في القطاع. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا بفضل صمود المزارعين وسعيهم المستمر للحفاظ على أراضيهم.

ويختتم علي وافي حديثه بالتأكيد على أهمية تعزيز دور المؤسسات الزراعية والقطاع الخاص في إعادة بناء هذا القطاع الحيوي. وأوضح أن الزراعة في غزة ليست مجرد مصدر للرزق، بل هي حجر الأساس لتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي، مما يستوجب تكاتف الجهود لدعم هذا القطاع الحيوي وتمكين المزارعين من استعادة دورهم في التنمية الاقتصادية.

كما أنهي الشوا حديثه بالتأكيد على أن القطاع الزراعي يمثل حجر الأساس لتحقيق الأمن الغذائي في غزة، مشددًا على ضرورة إدراجه ضمن أولويات إعادة الإعمار. وأضاف أن القطاع الزراعي ليس مجرد مصدر دخل، بل هو شريان حياة لآلاف العائلات في غزة، ويجب بذل كل الجهود لضمان استمراره ونموه رغم التحديات.

يتطلب دعم القطاع الزراعي في غزة جهدًا جماعيًا على المستويين المحلي والدولي. فإعادة بناء هذا القطاع ليست مجرد حاجة اقتصادية، بل هي واجب إنساني يهدف إلى حماية حق الفلسطينيين في العيش الكريم على أرضهم.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة