رغم مرور 20 يومًا على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لا تزال الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تتدهور بشكل خطير، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في المماطلة والتلكؤ في تنفيذ بنود البروتوكول الإنساني. هذا السلوك يفاقم معاناة أكثر من 2.4 مليون فلسطيني، حيث لم ينفذ الاحتلال التعهدات التي نص عليها الاتفاق بالشكل المطلوب، ما يؤدي إلى تأزّم الوضع الإنساني يومًا بعد يوم.
الاتفاق الإنساني، الذي كان يمثل الحد الأدنى من متطلبات الإغاثة والإيواء، ينص على إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا، بما في ذلك 50 شاحنة وقود، إلى جانب توفير 60 ألف وحدة سكنية متنقلة و200 ألف خيمة لإيواء النازحين. كما ينص الاتفاق على إدخال معدات إعادة الإعمار ومستلزمات تشغيل المرافق الصحية والمخابز والبنية التحتية، إضافة إلى تسهيل حركة المرضى والجرحى عبر معبر رفح. إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يتعمد التنصل من التزاماته، مما يضاعف معاناة الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وباتوا بلا مأوى في ظل الظروف الجوية القاسية.
حجم المساعدات التي دخلت القطاع لم يصل حتى الآن إلى الحد الأدنى المطلوب، إذ لم يتجاوز عدد الشاحنات التي دخلت غزة 8,500 شاحنة، بينما كان من المفترض أن يصل العدد إلى 12,000 شاحنة. كما أن الشاحنات التي دخلت إلى شمال غزة لم تتجاوز نصف الكمية المتفق عليها، مما أدى إلى تفشي الجوع ونقص الإمدادات الأساسية. إلى جانب ذلك، تلاعب الاحتلال بطبيعة المساعدات، حيث ركز على إدخال سلع غير أساسية مثل المعكرونة السريعة والشوكولاتة والوجبات الخفيفة، بينما تم تجاهل الأولويات الأساسية مثل الأدوية، المستلزمات الطبية، ومواد الإيواء.
على صعيد الأوضاع المعيشية، لا تزال عشرات الآلاف من العائلات مشردة في العراء بسبب عدم تنفيذ الاحتلال لبنود الاتفاق المتعلقة بتوفير المأوى، حيث لم يتم إدخال سوى 10% فقط من الخيام، في حين لم تصل أي وحدات سكنية متنقلة، ما يجعل مئات الآلاف من الفلسطينيين يواجهون الشتاء القارس دون مأوى ملائم. في المقابل، يستمر الاحتلال في فرض قيود على إدخال الوقود، حيث ينص الاتفاق على إدخال 50 شاحنة وقود يوميًا، لكن ما يتم إدخاله فعليًا لا يتجاوز 15 شاحنة فقط، مما أدى إلى أزمة خانقة في الكهرباء وأثر بشكل خطير على المستشفيات والمرافق الأساسية.
إلى جانب ذلك، تمنع سلطات الاحتلال إدخال المعدات الأساسية مثل المولدات الكهربائية، قطع الغيار، ألواح الطاقة الشمسية، البطاريات، خزانات المياه، والأسلاك الكهربائية، كما تمنع إدخال معدات إعادة الإعمار وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي، مما يزيد من تدهور الوضع الإنساني في القطاع. في المجال الصحي، لا تزال المرافق الطبية تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات، حيث يماطل الاحتلال في إدخال المستلزمات الطبية الضرورية، كما يرفض إجلاء الجرحى والمرضى لتلقي العلاج خارج غزة. نتيجة لهذه الانتهاكات، توفي أكثر من 100 طفل مريض بسبب عدم السماح لهم بالخروج، في حين أن 40% من مرضى الكلى فقدوا حياتهم بسبب عدم قدرتهم على تلقي جلسات غسيل الكلى.
في ظل هذا الواقع المأساوي، يحمل المكتب الإعلامي الحكومي الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الإنساني في غزة، محذرًا من التداعيات الخطيرة لهذه السياسات التعسفية التي تهدف إلى إبقاء القطاع في كارثة إنسانية دائمة. كما يدعو المكتب الوسطاء الدوليين إلى التدخل العاجل للضغط على الاحتلال لتنفيذ بنود البروتوكول الإنساني، الذي يمثل الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في هذه المرحلة الصعبة.
ويؤكد المكتب الإعلامي أن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته، وعدم الاكتفاء بدور المتفرج على هذه المأساة الإنسانية المستمرة. الاحتلال يسعى عبر هذه السياسة إلى استمرار الحرب بأشكال مختلفة، من خلال الحصار والتجويع ومنع إدخال الاحتياجات الأساسية، مما يستدعي تحركًا دوليًا جادًا لوقف هذه الجرائم المتصاعدة. إن منع إدخال المعدات الثقيلة لإزالة الركام، الذي يقدر حجمه بأكثر من 55 مليون طن، يعيق انتشال جثامين الشهداء، ويفاقم الأزمة الصحية والبيئية داخل القطاع.
أمام هذه التحديات، يطالب المكتب الإعلامي الحكومي بعقد مؤتمر دولي عاجل لإعادة إعمار غزة، والشروع فورًا في توفير جميع الاحتياجات الإنسانية الأساسية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وإفشال المخططات الإسرائيلية الرامية إلى ترحيله وتهجيره قسرًا. إن هذه الجرائم لن تنجح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي سيواصل تمسكه بأرضه وحقوقه المشروعة، رغم كل محاولات الاحتلال لعزله وتجويعه.