البنك الدولي والأمم المتحدة يكشفان حجم دمار غزة وخطة إعادة الإعمار

البنك الدولي والأمم المتحدة.png

يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي ألحق دمارًا واسعًا بالبنية التحتية، المنازل، والمؤسسات الاقتصادية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها السكان منذ سنوات. وفقًا لتقييم الأضرار الأولي الذي أعده البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة (The Gaza Strip Interim Damage Assessment)، بلغت الأضرار الإجمالية حوالي 29.9 مليار دولار، فيما وصلت الخسائر الاقتصادية والاجتماعية إلى 19.1 مليار دولار. إن إعادة إعمار قطاع غزة ليست مجرد عملية إعادة بناء للمباني والمرافق، بل هي مشروع استراتيجي شامل يسعى إلى إعادة الحياة للمواطنين الفلسطينيين، وتحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي للقطاع. ومع هذه الأرقام الضخمة، تبقى إعادة الإعمار مهمة معقدة تتطلب جهودًا دولية ومحلية متواصلة.

الأضرار التي لحقت بالقطاعات الأساسية

التقييم الدولي للأضرار يوضح أن العدوان أدى إلى تدمير أكثر من 70٪ من المباني، مما تسبب في نزوح أكثر من 2 مليون شخص يعانون من نقص حاد في المياه، الكهرباء، والرعاية الصحية. كما تعرضت القطاعات الحيوية لخسائر جسيمة، حيث أظهر التقرير أن قطاع الإسكان تكبّد خسائر بقيمة 15.8 مليار دولار، ما يستلزم إعادة بناء ما يزيد عن 200 ألف وحدة سكنية لتوفير مأوى للعائلات المشردة. القطاع الصحي لم يكن بمعزل عن الكارثة، فقد دُمر أكثر من 60٪ من المرافق الصحية بشكل كامل أو جزئي، مما أدى إلى تعطل الخدمات الطبية وارتفاع عدد الجرحى دون إمكانية تلقي العلاج الفوري. وقدرت الأضرار الصحية بحوالي 6.3 مليار دولار، مما يتطلب استثمارات ضخمة لإعادة بناء المستشفيات والمرافق الطبية.

إعادة إعمار قطاع غزة: أولويات وخطط التنفيذ

استنادًا إلى تقييم الأضرار، وضعت الجهات الدولية والمحلية خططًا متكاملة لإعادة الإعمار تشمل عدة محاور رئيسية تشمل إعادة بناء المساكن بتكلفة تقديرية تصل إلى 15.2 مليار دولار حيث سيتم التركيز على إعادة إعمار المباني السكنية والبنية التحتية الداعمة لها، وإصلاح البنية التحتية خاصة شبكات الكهرباء، المياه، والصرف الصحي التي تعرضت لدمار واسع، مما يتطلب استثمارات بقيمة 2.7 مليار دولار لإعادة تأهيلها. يتضمن ذلك إصلاح محطات الكهرباء، مد خطوط جديدة لشبكات المياه، وتحسين منظومة الصرف الصحي التي تعاني منذ سنوات بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر. كما أن إعادة تأهيل الطرق والجسور تعتبر جزءًا أساسيًا من خطة التعافي، حيث تحتاج إلى 1.5 مليار دولار لإعادة تهيئة شبكات الطرق والمواصلات الرئيسية التي تضررت بشدة خلال العدوان.

إعادة تأهيل القطاعات الاقتصادية المتضررة

القطاعات الاقتصادية تعرضت لأضرار هائلة حيث قُدرت الخسائر الاقتصادية في قطاع الأعمال والتجارة بحوالي 6.9 مليار دولار نتيجة تدمير المصانع والأسواق والمنشآت التجارية، مما أدى إلى توقف آلاف العمال عن العمل وزيادة معدلات البطالة والفقر. ويحتاج تعزيز الاقتصاد المحلي إلى استثمارات ضخمة في إعادة تشغيل المصانع والأسواق التجارية، وتحفيز قطاع الأعمال من خلال تقديم حوافز اقتصادية للمستثمرين، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي. قطاع الزراعة والثروة السمكية تعرض هو الآخر لدمار واسع حيث تضررت آلاف الدونمات الزراعية بفعل القصف الإسرائيلي المستمر، كما تعرضت مزارع الثروة الحيوانية والصيد البحري لخسائر فادحة، مما يستدعي تخصيص 1.2 مليار دولار لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية والبنية التحتية المرتبطة بها.

أبرز التحديات التي تواجه إعادة الإعمار

تحديات إعادة الإعمار متعددة ومعقدة، حيث يظل الحصار الإسرائيلي العقبة الأكبر أمام دخول مواد البناء والمعدات اللازمة لإعادة الإعمار، مما يؤدي إلى تأخير كبير في تنفيذ المشاريع وإضافة تكاليف إضافية. كما أن نقص التمويل يعد تحديًا رئيسيًا، حيث أن التعهدات الدولية بإعادة الإعمار لا تزال غير كافية لتغطية جميع الاحتياجات الفعلية، مما يفرض على الحكومة الفلسطينية والجهات المانحة البحث عن آليات جديدة لتأمين التمويل اللازم. عدم الاستقرار السياسي في المنطقة يضيف بُعدًا آخر للتحديات، حيث أن الانقسام الداخلي الفلسطيني، بالإضافة إلى غياب حل سياسي شامل، يزيد من صعوبة تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة. التحديات اللوجستية كذلك تعيق العملية، حيث أن تعطل شبكات النقل ونقص المواد الخام يحد من قدرة الجهات المنفذة على بدء عمليات إعادة الإعمار بالسرعة المطلوبة. كما أن أزمة النزوح الداخلي تمثل تحديًا إنسانيًا كبيرًا، حيث أن أكثر من 2 مليون شخص بحاجة إلى مساكن مؤقتة لحين إعادة بناء منازلهم.

جهود المجتمع الدولي ودور المانحين في إعادة الإعمار

أكد التقرير أن البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة يعملون بشكل وثيق مع الحكومة الفلسطينية والجهات المحلية لضمان تقديم الدعم اللازم لعملية إعادة الإعمار. إلى جانب المساعدات المالية، يتم العمل على تنفيذ برامج دعم فني ولوجستي لتحفيز عملية إعادة الإعمار، بما في ذلك تدريب الكوادر المحلية على أحدث تقنيات البناء المستدام وضمان توفير المواد اللازمة ضمن الأطر الزمنية المحددة. المبادرات الدولية تركز أيضًا على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للسكان المتضررين، لا سيما الأطفال والنساء الذين يعانون من آثار الصدمات النفسية نتيجة الحرب المستمرة.

التوصيات لضمان إعادة إعمار مستدامة

استنادًا إلى نتائج التقييم، قدم التقرير مجموعة من التوصيات لضمان إعادة إعمار مستدامة، أبرزها إنشاء صندوق دولي مخصص لإعادة إعمار غزة بإدارة مستقلة تضمن الشفافية والمساءلة، تسهيل وصول مواد البناء والمعدات الأساسية من خلال الضغط الدولي لإنهاء القيود الإسرائيلية المفروضة على دخولها، تعزيز الاعتماد على تقنيات البناء المستدام التي تضمن مقاومة المباني للدمار المستقبلي، إشراك الكفاءات الفلسطينية في عمليات التخطيط والتنفيذ لضمان تنفيذ المشاريع بما يخدم السكان المحليين بشكل مباشر، وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين لضمان إعادة تأهيل مجتمعي شامل.

خاتمة: إعادة الإعمار ضرورة إنسانية وتنموية

إعادة إعمار غزة ليست مجرد إعادة بناء للمباني، بل هي مشروع شامل لإعادة الحياة للقطاع وتعزيز صمود سكانه. هذه العملية تحتاج إلى دعم دولي واسع النطاق، وإلى رؤية متكاملة تشمل كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والخدمية لضمان بيئة مستدامة تتيح لسكان غزة فرصة للعيش بكرامة وأمان. التقرير الصادر عن البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة يعد خطوة هامة في توجيه الجهود نحو تحقيق إعادة إعمار شاملة تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا لسكان غزة، وهو ما يستدعي تكاتف الجهود المحلية والدولية لضمان التنفيذ الفعلي لهذه الخطط التنموية الطموحة.

المصدر: ترجمة خاصة وكالة قدس نت - القدس المحتلة