تصاعد الاستيطان الرعوي في سبسطية: أداة إسرائيلية لنهب الأراضي الفلسطينية

سبسطية.jpeg

تشهد بلدة سبسطية شمال غرب نابلس تصاعدًا غير مسبوق في الاستيطان الرعوي الإسرائيلي، الذي يستخدم النشاط الزراعي والرعوي كوسيلة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها. هذا النوع من الاستيطان، الذي توسع بشكل ملحوظ خلال العام الأخير، يُعد أحد أخطر الأدوات الإسرائيلية لنهب الأراضي الفلسطينية، حيث يتم تحت غطاء الرعي والزراعة، لكنه يهدف إلى فرض الأمر الواقع وتهويد المناطق الفلسطينية.

الاستيطان الرعوي كأداة لسرقة الأراضي الفلسطينية

وفقًا لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، بدأ المستوطنون في 20 يناير 2025 بشق وتسوية طريق زراعي يربط بين البؤر الاستيطانية ومستوطنة “شافي شمرون”، المقامة على 400 دونم من أراضي الفلسطينيين في سبسطية. هذا الطريق، الذي كان في الأصل شقه مزارعون فلسطينيون للوصول إلى أراضيهم، تم الاستيلاء عليه من قبل المستوطنين وتعبيده بالبسكورس، في خطوة واضحة لفرض سيطرة دائمة على المنطقة.

لم يتوقف الأمر عند الطرق، حيث قام المستوطنون بزراعة أشتال الزيتون في مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، في محاولة لتوسيع نفوذهم والاستحواذ على مزيد من الأراضي.

انتهاكات المستوطنين بدعم من جيش الاحتلال

تتم هذه الاعتداءات تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تفرض قيودًا مشددة على حركة الفلسطينيين في المنطقة، وتوفر غطاءً عسكريًا للمستوطنين أثناء تنفيذ اعتداءاتهم.

ومنذ عدة أسابيع، تقوم قوات الاحتلال يوميًا عند الساعة 19:00 باقتحام بلدة سبسطية، حيث يتم إجبار أصحاب المحال التجارية على إغلاقها بالقوة، وإطلاق قنابل الغاز والرصاص، مما يدفع السكان إلى إخلاء الشوارع، ما يتيح للمستوطنين فرصة اقتحام المنطقة الأثرية وإقامة طقوس دينية تلمودية، في محاولة لتهويد الموقع الأثري.

قرار عسكري لمصادرة الأراضي وبنية تحتية لدعم المستوطنات

في 24 يوليو 2024، أصدرت سلطات الاحتلال قرارًا عسكريًا يقضي بمصادرة 1300 متر مربع من الأراضي الأثرية في سبسطية، كما خصصت 33 مليون شيقل لإنشاء بنية تحتية جديدة تخدم المستوطنين. وقد تم إنشاء منشأة أمنية على الأرض المصادرة، ما يعزز سيطرة الاحتلال على المنطقة.

رغم تقديم اعتراضات قانونية من قبل أصحاب الأراضي، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت النظر في هذه الاعتراضات، واستمرت في تنفيذ خطط التوسع الاستيطاني.

اعتداءات المستوطنين على المزارعين خلال موسم الزيتون

مع بداية موسم الزيتون في أكتوبر 2024، تعرض المزارعون الفلسطينيون لهجمات من قبل المستوطنين المدعومين بقوات الاحتلال، حيث تم منعهم من قطف محاصيلهم، واستخدم المستوطنون العصي والغاز والحجارة في اعتداءات أسفرت عن استشهاد المسن أحمد توفيق غزال (74 عامًا)، نتيجة لاختناقه بغاز الفلفل الذي رشّه عليه المستوطنون.

في الوقت الذي تم فيه منع الفلسطينيين من قطف محاصيلهم، استولى المستوطنون على ثمار الزيتون في حوض رقم 4، تحت حماية الجيش الإسرائيلي. هذه الانتهاكات دفعت أربع عائلات فلسطينية، تضم 20 فردًا، إلى إخلاء منازلها التي عاشوا فيها لأكثر من 30 عامًا، خوفًا من بطش المستوطنين.

الاستيطان يهدد سبسطية وتراثها التاريخي

تُعتبر بلدة سبسطية من أهم المواقع الأثرية في فلسطين، حيث تضم المدرج الروماني، شارع الأعمدة، معبد أوغسطس، وكنيسة يوحنا المعمدانية، إلا أن الاحتلال يسعى إلى فرض السيطرة على هذه المعالم التاريخية وتهويدها بالكامل.

وفقًا لاتفاقية أوسلو، تم تصنيف المناطق الأثرية في سبسطية ضمن المنطقة C، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بينما تقع باقي البلدة ضمن المنطقة B، التي تخضع إداريًا للسلطة الفلسطينية، وأمنيًا لسيطرة الاحتلال.

في عام 2018، مولت الحكومة البلجيكية بالتعاون مع اليونسكو مشروعًا لترميم ساحة البيدر، مما ساهم في تنشيط السياحة في البلدة، إلا أن الاحتلال ردّ بإغلاق الحواجز المؤدية للمنطقة، ومنع وصول الزوار، وتكثيف اقتحامات المستوطنين، مما أدى إلى انخفاض النشاط السياحي والاقتصادي بشكل ملحوظ.

وفي عام 2022، أقام المستوطنون بؤرة استيطانية رعوية على أراضي دير شرف وسبسطية والناقورة، تمتد على 1000 – 1500 متر هوائي غربي البلدة، ما زاد من معاناة السكان الفلسطينيين في المنطقة.

دعوات للتدخل الدولي لوقف التوسع الاستيطاني

ويقول المركز الفلسطيني لحقوق الانسان "يمثل الاستيطان الرعوي في سبسطية خطرًا كبيرًا على مستقبل الفلسطينيين، حيث يؤدي إلى تهجير السكان، تدمير سبل العيش، والاستيلاء على التراث التاريخي".

ويضيف المركز أكدت محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك القدس الشرقية، هو احتلال غير قانوني، وألزمت إسرائيل بـوقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورًا، وإخلاء المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في ظل تصاعد الهجمات الاستيطانية في الضفة الغربية، تبقى بلدة سبسطية نموذجًا صارخًا للنهج الإسرائيلي في نهب الأراضي، وتهجير الفلسطينيين، وطمس الهوية التاريخية. إن هذه الممارسات تستدعي تحركًا دوليًا فوريًا، لإيقاف التوسع الاستيطاني غير القانوني، وحماية حقوق الفلسطينيين في أراضيهم وتراثهم التاريخي.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله