في زوايا البيوت المدمرة ومراكز الإيواء المؤقتة، تظهر ملامح مشهد صعب لا تصنعه الكاميرا، بل تعيشه نساء فلسطينيات وجدن أنفسهن فجأة في موقع المعيل الوحيد، بعد أن سرقت الحرب أزواجهن، وأبناءهن، ومصادر دخل أسرهن.
ليست قصصًا تُروى بل واقع يومي تتلمّسه "أم خالد القصاص" وهي تتفقد رؤوس أحفادها الذين فقدوا والدهم، معتز، الذي استُشهد وهو يعمل على "تكتك" لتأمين لقمة عيشهم. قصفٌ مفاجئ، وأثرٌ لا يُمحى. كغيرها من آلاف النساء، باتت أم خالد توازن بين وجع الفقد، ومسؤولية البقاء.
مسؤولية مضاعفة في زمن الانهيار
مع فقدان المعيل، لا تجد خديجة عيد سوى الفرن وسوق الحي وسيلةً لتحصيل ما يسد رمق أطفالها الأربعة. بعد استشهاد زوجها في قصف دمّر المتجر الذي كان يملكه، لم تعد تنتظر مساعدات غير منتظمة أو قوائم انتظار طويلة. الخبز صار وسيلتها للبقاء، وسوق الجارات ميدان كرامتها.
رفقة محمد علي، أرملة أخرى، تتنقل ببضائع بسيطة داخل مدرسة نزوح. تبيع من أجل الشراء، وتأكل من هامش الربح. تقول: "أنا الآن الأم والأب، لم أعد أملك ترف الحزن".
العمل بدل العوز: دروس، خبز، طبخ... وأمل
من منزلها المتصدع في غزة، تُدرّس ابتهال عمر لأطفال الجيران. فقدت زوجها، منزلها، ووظيفتها كمعلمة في مدرسة خاصة. لكن البقاء لم يكن خيارًا بل فرضًا. "لا مساعدات ثابتة، ولا دعم كافٍ، فقط قوة الإرادة ومحاولات يائسة لتأمين الحد الأدنى".
أما ريم الصفدي، فودّعت زوجها خلال الاجتياح الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي. باعت آخر قطعة ذهب كانت تملكها، وبدأت رحلة البحث عن فرصة تطوع أو عمل في مطبخ خيري. تقول: "أجيد الطبخ، ولدي خبرة، أحتاج فقط إلى فرصة لا إلى صدقة".
حصار الحرب: نساء يتحملن عبء مجتمع
في خلفية هذه القصص تتكرر الأرقام الصادمة: نسبة الفقر وصلت إلى 100% البطالة تجاوزت 80% مئات الآلاف من الأسر فقدت كل مصادر دخلها
وما بين الغلاء، ونقص المساعدات، وانهيار البنية التحتية، لم يبقَ أمام النساء سوى خيار واحد: العمل في أصعب الظروف أو العجز وسط الفوضى.
لكن القصة الأهم هنا أن نساء غزة لا يطلبن الشفقة من أحد، بل الاعتراف بأنهن وحدهن في الميدان، يبنين حياة من تحت الركام، ويُطعمن أطفالهن بكرامة، لا بالانتظار في ظل غياب لافت للمؤسسات النسوية التي تتلقى تمويلًا دوليًا بملايين الدولارات، بينما تغض الطرف عن معاناة النساء على الأرض