كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في تقرير موسع، عن خطة عسكرية وأمنية إسرائيلية يجري تنفيذها بهدوء في الضفة الغربية، وتحديدًا في مخيمات اللاجئين، تهدف إلى تفكيك هذه المخيمات، ومنع إعادة إعمارها، وتحويلها إلى "أحياء مدنية" تابعة للمدن الفلسطينية المجاورة، بما يشكل محاولة مكشوفة لطمس البعد السياسي والوطني لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وبحسب الصحيفة، فإن قيادة جيش الاحتلال في الضفة، وتحديدًا ما تُسمى بـ"القيادة المركزية"، تسعى منذ شهرين ضمن عملية عسكرية تُعرف بـ"الجدار الحديدي" إلى إعادة هندسة الواقع الميداني في مخيمات مثل جنين وطولكرم ونور شمس، عبر تدمير البنية التحتية، وهدم المنازل، ومنع إعادة البناء، بما يتيح حرية حركة للجيش داخل المخيمات ويجردها من بعدها المقاوم.
هدم واسع وتحكم أمني طويل الأمد
التقرير الإسرائيلي أشار إلى أن جيش الاحتلال هدم أكثر من 200 منزل في مخيم جنين وحده، وفتح عدة كيلومترات من الطرق التي سبق أن أغلقتها البنية التحتية الفلسطينية، تحت ذريعة أن المخيم تحول إلى "معقل محصن للمسلحين"، وهو توصيف طالما استخدمته إسرائيل لتبرير عدوانها على المناطق المدنية.
ويكشف التقرير أيضًا عن نوايا إسرائيلية واضحة لمنع إعادة بناء البيوت أو إصلاح الشوارع داخل المخيمات المدمرة، وهو ما يعني ضمنيًا فرض واقع عسكري دائم، وتحويل المخيم من مساحة سكنية تعبر عن النكبة واللجوء، إلى حي محاصر يسهل اقتحامه ومراقبته أمنيًا.
طمس رمزية المخيمات وتشويه الرواية
تلفت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتبر المخيمات "رمزًا يُغذي الرواية الفلسطينية حول حق العودة"، وتتعامل المؤسسة الأمنية مع هذه المساحات باعتبارها "أوكارًا للإرهاب". وبالتالي، فإن تفكيكها جزئيًا أو كليًا يحمل بعدًا معرفيًا يتجاوز الجانب الأمني، ويهدف إلى محو أحد أبرز رموز النكبة في الوعي الفلسطيني والعربي والدولي.
ويُعد ذلك جزءًا من مشروع أشمل لإعادة صياغة الواقع السياسي في الضفة الغربية، حيث باتت المخيمات الفلسطينية مستهدفة ليس فقط عسكريًا، بل في وجودها كشاهد حي على جرائم التهجير واللجوء.
استعدادات لتوسيع الخطة على باقي المخيمات
بحسب يديعوت، فإن الاحتلال وضع خططًا مشابهة لتفكيك جميع مخيمات اللاجئين الثمانية عشر في الضفة الغربية، وهي جاهزة للتنفيذ "عند الحاجة"، وفق ما نقلته الصحيفة عن مصادر عسكرية. ما يعني أن المشروع قد يكون طويل الأمد ويهدف إلى إعادة رسم جغرافيا اللجوء الفلسطيني من جديد، وفرض وقائع ميدانية تتناغم مع سياسة "الضم الزاحف" التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
فصل مناطق الأغوار وإعادة تشكيل المشهد الأمني
بالتزامن مع عمليات تدمير المخيمات، تعمل سلطات الاحتلال على عزل مناطق كاملة في الأغوار عن القرى الفلسطينية المجاورة، وشق طرق عسكرية جديدة، ووضع بوابات وحواجز ثابتة، بهدف السيطرة الكاملة على حركة الفلسطينيين. في حين وُصف هذا التحرك بأنه "درس مستخلص من الهجمات السابقة"، إلا أن جوهره يبقى مشروع ضم أمني تدريجي لأراضي الضفة، وتحويل الوجود الفلسطيني إلى "جزر سكانية مقطعة الأوصال".