في وقتٍ كان يفترض أن تعمّ فيه أجواء الفرح والسكينة، استيقظ أهالي قطاع غزة، وتحديدًا مدينة خان يونس، على وقع مجزرة جديدة ارتكبها الجيش الإسرائيلي، راح ضحيتها ثمانية شهداء بينهم خمسة أطفال، إثر قصف استهدف منزلًا وخيمة تؤوي نازحين في جنوب القطاع، بالتزامن مع أول أيام عيد الفطر السعيد.
تأتي هذه المجزرة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد العمليات العسكرية، وانعدام أي بوادر ملموسة للتوصل إلى اتفاق لتمديد وقف إطلاق النار، رغم المساعي الإقليمية والدولية الجارية منذ أسابيع.
عيد باهت تحت نيران القصف
يعيش سكان غزة أجواء العيد هذا العام في ظروف إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، حيث دمرت الحرب آلاف المنازل، وتسببت في نزوح مئات الآلاف من العائلات، وسط شح كبير في المواد الغذائية، وانعدام للقدرة الشرائية في الأسواق.
يقول رمزي صلاح (39 عامًا) من سكان مخيم الشاطئ غرب غزة: "كنا نأمل أن يأتي هذا العيد بوقف للعدوان، لكنه جاء محمّلًا بالخوف والدمار... حياتنا تحولت إلى جحيم، لا عيد، ولا طمأنينة، ولا حتى أبسط مقومات الفرح لأطفالنا."
ويضيف بصوت يختنق بالمرارة: "منذ بداية الحرب لم نعرف للراحة طعمًا، الأطفال لا يملكون ملابس جديدة، ولا هدايا، وحتى الطعام أصبح ترفًا صعب المنال."
أسواق بلا زبائن... وملابس من سنوات مضت
في جولة سريعة داخل أسواق غزة شبه الخالية، بالكاد تُشاهد بعض الملابس والأحذية القديمة معروضة، دون حركة شراء تُذكر. يقول التاجر رجب اللوح، صاحب محل لبيع الملابس: "الحركة الشرائية معدومة، والناس تأتي فقط لتتفرج. كل البضائع الموجودة لدينا تعود لعامين أو أكثر، ولا شيء جديد يدخل القطاع بسبب الحصار."
ويضيف: "العائلات التي فقدت منازلها وأغراضها، لجأت إلى شراء ملابس من "البالة" أو الاكتفاء بما لديها، وهذا حال عيدنا الثاني على التوالي دون أي انتعاش اقتصادي."
أمهات بلا قدرة... وأطفال يبحثون عن فرحة مفقودة
في حي الشيخ رضوان، تروي سما أبو جربوع (42 عامًا) معاناة آلاف الأمهات اللواتي يعجزن عن تلبية أبسط احتياجات أطفالهن في العيد، قائلةً: "أطفالي طلبوا ملابس جديدة مثل كل عام، لكني لم أستطع شراء شيء. كنا نعيش من بسطتنا الصغيرة التي فقدناها مع بدء الحرب، والآن لا عمل ولا دخل."
كعك العيد... نكهة الصمود وسط الخيام
ورغم القصف والانهيار الاقتصادي، تحاول بعض العائلات الحفاظ على طقوس العيد، كنوع من التشبث بالحياة، حيث لجأت نساء نازحات في مراكز الإيواء إلى تحضير كعك العيد بمواد بسيطة، ونكهة ممزوجة بالألم والصبر.
في مركز "الصمود 3" في جباليا، تقول بثينة أبو شاويش (51 عامًا): "اجتمعنا مع الجارات واشترينا القليل من التمر والطحين لنصنع كعك العيد. حاولنا رسم الابتسامة على وجوه أطفالنا وسط الدمار... هذه طريقتنا لنقول إننا ما زلنا نحب الحياة رغم كل شيء."
وتضيف:
"هذا الكعك ليس فقط طقسًا اجتماعيًا، بل هو فعل مقاومة، وتمسّك بالأمل في وجه الموت المحيط بنا."
لا هدنة ولا تهدئة... العيد تحت النار
رغم المحادثات المستمرة بين الوسطاء، لا تزال إسرائيل ترفض التوصل إلى هدنة شاملة، وتواصل تصعيد عملياتها في مناطق متفرقة من القطاع، ما يجعل عيد الفطر في غزة بلا أمان ولا مظاهر فرح، ويعمّق المأساة التي يعيشها الفلسطينيون للعام الثاني على التوالي.