عيد الفطر في غزة: مجاعة تقترب والاحتلال يصعّد القصف ويهدد بتوسيع العمليات العسكرية

شارع الرمال وسط مدينة غزة

يحل عيد الفطر السعيد على سكان قطاع غزة هذا العام وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة، تهدد بمجاعة وشيكة في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد وغياب تام لأي مؤشرات لوقف العدوان المستمر منذ أكثر من 17 شهرًا.

ورغم ما تحمله هذه المناسبة من معاني الفرح، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة تحت ضغط التجويع والإفقار، بينما تحذر الأمم المتحدة من نفاد الدقيق خلال أسبوع، في وقت تم فيه خفض توزيع المساعدات الغذائية إلى النصف، والأسواق شبه خالية من المواد الأساسية.

عيد الفطر في ظل الجوع والدمار

رغم أن اليوم عيد الفطر، لا يجد الفلسطينيون في غزة ما يفرحون به. فالأسواق، مثل سوق الزاوية الشهير، تفتقر إلى الخضروات والفواكه واللحوم والبيض. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني؛ كيلو البصل يصل إلى 14 دولارًا، والطماطم بـ6 دولارات، إن وجدت.

تقول عبير العكر، وهي معلمة وأم لثلاثة: "هذا جنون. لا طعام، لا خدمات. العيد هذا العام أقرب للجوع منه للفرح".

قالت الأمم المتحدة إن مخابز قطاع غزة مهددة بنفاد الدقيق خلال أسبوع، في ظل تصاعد أزمة نقص الغذاء نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي، مشيرة إلى أن وكالات الإغاثة خفَّضت توزيع المواد الغذائية على العائلات إلى النصف، بينما تخلو الأسواق من معظم أنواع الخضراوات الطازجة. كما يعجز الكثير من عمال الإغاثة عن التنقل بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل.

ولمدة أربعة أسابيع، أغلقت إسرائيل جميع المعابر ومنعت دخول الغذاء والوقود والأدوية وغيرها من الإمدادات الحيوية لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة. ويُعد هذا أطول حصار تشهده غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 17 شهرًا، ولا تلوح في الأفق أي بوادر لإنهائه، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

ويواجه عمال الإغاثة تحديات غير مسبوقة في ظل استنزاف سريع للمخزون المتاح لديهم، ما ينذر بزيادة كارثية في الجوع الشديد وسوء التغذية، حيث دُمّر معظم الإنتاج الغذائي المحلي في غزة بسبب الحرب، ما يجعل تدفق المساعدات هو السبيل الوحيد لتأمين الغذاء.

وقالت شروق شملخ، وهي أم لثلاثة أطفال تتلقى مساعدات غذائية من مركز توزيع تابع للأمم المتحدة في جباليا شمال غزة: "نعتمد كليًا على صندوق المساعدات هذا. نحن نُقلل وجباتنا لتكفي لشهر. إذا توقف هذا الدعم، فمَن سيُزوّدنا بالطعام؟"

من جانبه، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن مخزون الدقيق المتاح يكفي فقط لإنتاج الخبز لـ800 ألف شخص يوميًا حتى يوم الثلاثاء، بينما لن تكفي الإمدادات الغذائية المتوفرة لأكثر من أسبوعين. كخطة طوارئ، يحتفظ البرنامج بمخزون من البسكويت المدعم يغطي احتياجات 415 ألف شخص.

أما الوقود والأدوية، فيُتوقع أن تنفد خلال أسابيع قليلة. المستشفيات بدأت ترشيد استخدام الأدوية الحيوية، كما تقوم منظمات الإغاثة بتحويل الوقود المحدود بين احتياجات ضرورية، تشمل تشغيل الأفران، ضخ المياه، وتشغيل المستشفيات.

وقالت كليمانس لاغواردات، مسؤولة الاستجابة لأزمة غزة في منظمة "أوكسفام"، خلال إحاطة إعلامية من دير البلح: "نضطر لاتخاذ خيارات مستحيلة. كل شيء ضروري، من الخبز إلى المياه والكهرباء والدواء".

وتفاقمت الأزمة بعد استئناف العدوان الإسرائيلي في 18 مارس، حيث قُتل مئات الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. وتقول الأمم المتحدة إن القصف استهدف أيضًا منشآت إنسانية. وأدت أوامر الإخلاء الجديدة إلى نزوح أكثر من 140 ألف فلسطيني من مناطقهم.

لكن حتى مع تصاعد الكارثة، لم تستأنف إسرائيل نظام التنسيق مع المنظمات الإنسانية الذي يضمن أمن تحركاتها، ما أجبر بعضها على تعليق توزيع المياه، ووقف برامج تغذية الأطفال المصابين بسوء التغذية، نظرًا لخطورة الوضع.

ووفقًا لما نقلته وكالات إغاثة، فإن مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية علّق نظام التنسيق خلال فترة وقف إطلاق النار، وأوضح أن العمليات تُنفذ حاليًا "وفقًا لتقديرات سياسية وميدانية"، دون توضيحات إضافية.

أسعار المواد الغذائية تخرج عن السيطرة

في ظل استمرار الحصار، أصبح الغذاء خارج متناول الغالبية، حيث اختفت اللحوم، الخضروات، والبيض من الأسواق. وقال فلسطينيون إن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بشكل كبير، إذ بلغ سعر كيلو البصل نحو 14 دولارًا، وكيلو الطماطم 6 دولارات. كما ارتفعت أسعار غاز الطهي بمعدل 30 ضعفًا، ما دفع العائلات للعودة إلى جمع الحطب للطهي.

وتعتمد العائلات بشكل متزايد على المساعدات، مثل ريما ميغات التي فرزت صندوق الحصص الغذائية لعائلتها المكوّنة من 10 أفراد، ويحتوي على أرز، عدس، بضع علب سردين، نصف كيلو سكر، وعلبتي حليب مجفف. وقالت: "هذا لا يكفي لشهر. كيلو الأرز يُستهلك في يوم واحد".

صرّحت أولغا تشيريفكو، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن الأمم المتحدة خفّضت توزيع الحصص لإعادة توجيه الإمدادات نحو المخابز ومطابخ تقدم وجبات جاهزة. وارتفع عدد هذه الوجبات بنسبة 25% ليصل إلى 940 ألف وجبة يوميًا.

لكن هذا يؤدي أيضًا إلى استنزاف سريع للمخزونات، وفقًا لما قاله جافين كيليهر من المجلس النرويجي للاجئين: "بمجرد نفاد الدقيق، لن يكون هناك خبز في جزء كبير من غزة".

كما أشار سام روز، القائم بأعمال مدير وكالة الأونروا في غزة، إلى أن الوكالة لم يتبقَّ لديها سوى آلاف قليلة من الطرود الغذائية وكمية محدودة من الدقيق.

نقص الغذاء يُهدد صحة الأطفال

قال هاني المدهون، الشريك المؤسس لـ"مطبخ غزة الخيري"، إن أحد المطابخ لم يعد يجد أي لحوم أو منتجات طازجة، ويكتفي بتقديم الأرز مع الخضراوات المعلبة. وأضاف: "عدد المحتاجين في تزايد، والناس أكثر يأسًا من أي وقت مضى".

وترفض إسرائيل رفع الحصار، رغم الضغوط الدولية. في بداية الحرب، ضغطت الولايات المتحدة للسماح بدخول مساعدات إنسانية، لكنها حالياً تدعم سياسة إسرائيل. وتصف منظمات حقوقية هذه السياسة بأنها "تجويع متعمد" قد ترقى إلى جريمة حرب.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن إسرائيل "تتصرف وفقًا للقانون الدولي"، واتهم حماس بتحويل المساعدات للمقاتلين، مؤكدًا أن "إسرائيل غير ملزمة بالسماح بدخول الإمدادات في هذه الحالة".

المجاعة تطرق الأبواب

أعلنت منظمة "أنقذوا الأطفال" تعليق برامج التغذية المخصصة للأطفال بسبب صعوبة التنقل. وقالت راشيل كامينغز، مسؤولة في المنظمة، إن سوء التغذية في تزايد، لا سيما بين الأطفال والنساء الحوامل والمراهقات.

وأضافت ألكسندرا سيف، من قسم السياسة الإنسانية في المنظمة، أن نحو 300 مريض كانوا يزورون العيادة يوميًا في دير البلح، لكن الأعداد تراجعت إلى الصفر في بعض الأيام بسبب الخوف من القصف.

وأكد عمال الإغاثة أن سوء التغذية يزيد من خطر الأمراض مثل الالتهاب الرئوي والإسهال، مع تدهور جودة المياه واكتظاظ أماكن الإيواء، في ظل عجز المستشفيات عن تلبية الاحتياجات.

ويقول مسؤولو الإغاثة: "نحن نعيش في وضع كارثي، والناس والموظفون على حد سواء يواجهون حالة من اليأس لم نعهدها من قبل".

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة