رغم غياب أي اتفاق بشأن الأسرى ودون تنسيق مع حركة حماس، يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ خطة تجريبية لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وتحديدًا في مدينة رفح جنوب القطاع. تأتي هذه الخطوة بعد توقف دخول المساعدات لأكثر من خمسة أسابيع، وفي ظل تحذيرات من قرب نفاد الغذاء والدواء والوقود خلال شهر تقريبًا، ما دفع قيادة الاحتلال إلى إدراك ضرورة استئناف الإمدادات لتفادي انهيار شامل في الأوضاع الإنسانية.
مصادر أمنية إسرائيلية أكدت أن القيادة السياسية باتت مقتنعة بعدم وجود خيار آخر سوى السماح بوصول المساعدات، حتى في ظل استمرار العمليات العسكرية. وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال يخطط للبدء بمشروع توزيع مباشر للغذاء والدواء، دون وساطة فلسطينية، وذلك عبر إشراف عسكري مباشر على عمليات التوزيع بمشاركة منظمات إغاثة دولية.
ورغم ادعاء الاحتلال أن هذه الخطوة تهدف لتفادي أزمة إنسانية، إلا أنها تأتي في سياق سعيه إلى تجاوز دور المؤسسات المحلية الفلسطينية، وتحديدًا حماس، في إدارة القطاع، عبر تقويض سيادتها وخلق بدائل ميدانية تابعة لإدارة عسكرية مباشرة.
الاحتلال يواجه في الوقت ذاته ضغوطًا متزايدة بسبب تدهور صورته الدولية، خصوصًا بعد استهداف طواقم إسعاف تابعة للهلال الأحمر في حي تل السلطان برفح في 23 مارس، ما أدى إلى استشهاد 14 مسعفًا. وقد تم توثيق الحادثة من قبل جهات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، مع مزاعم بوجود مقابر جماعية وجثث مقيدة، ما أثار تساؤلات جدية حول انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني.
وتحاول قيادة جيش الاحتلال الترويج لفكرة أنها لا تحتل غزة، بينما تعترف داخليًا بأن استمرار تدهور الوضع الإنساني قد يشكل تهديدًا سياسيًا وأمنيًا. وأفادت التقديرات العسكرية الإسرائيلية أن هناك مؤشرات على بدء سكان غزة باقتحام مخازن مساعدات تمت مصادرتها سابقًا من قبل حماس، في ظل احتدام الأزمة.
وتشير التقارير إلى أن الاحتلال يدرس تنفيذ نموذج جديد في رفح، حيث سيشرف بشكل مباشر على توزيع المساعدات من خلال مراكز يسيطر عليها الجيش، في خطوة تهدف لإضعاف سلطة حماس على الأرض. الخطة تتضمن استخدام منظمات إغاثة دولية كواجهة لتنفيذ العمليات، بينما تبقى السيطرة الفعلية بيد جيش الاحتلال.
في الوقت نفسه، أقر جيش الاحتلال بوجود أزمة تشغيلية في بعض المخابز الكبرى بسبب نقص الغاز، وليس الدقيق كما زُعم سابقًا. وتواجه عمليات الإمداد تعقيدات بسبب الحواجز التي أنشأها الاحتلال، والتي تعرقل الحركة والوصول إلى المناطق المتضررة.
وبينما يؤكد جيش الاحتلال أنه لم يتم الوصول بعد إلى حالة "مجاعة"، إلا أن مسؤولين عسكريين حذروا من أن الوضع قد ينهار خلال 40 إلى 50 يومًا، خاصةً مع اقتراب بدء عملية عسكرية مكثفة في رفح. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 200 ألف فلسطيني غادروا منازلهم مؤخرًا بسبب تجدد القصف وعمليات الاجتياح، ما فاقم من سوء الأوضاع الإنسانية.
جيش الاحتلال يحاول استخدام المساعدات كأداة سياسية، مدعيًا أن حماس "تخلق روايات كاذبة" حول وجود مجاعة في القطاع، بينما تتجاهل هذه التصريحات الواقع الميداني القائم على نقص الغذاء والمياه والدواء، وغياب أبسط مقومات الحياة في ظل الحصار والعدوان المستمر.