هل تنقذ حزمة الدعم الأوروبي ميزانية السلطة الفلسطينية من الانهيار؟

من اليمين رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى ووزير خارجية لوكسمبورغ.webp

أعلن الاتحاد الأوروبي رسميًا عن إطلاق حزمة دعم مالي لفلسطين بقيمة 1.2 مليار يورو كمساعدات مباشرة، يضاف إليها 400 مليون يورو كقروض ميسّرة للقطاع الخاص من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على مدى ثلاث سنوات (2025 – 2027).

ووفق الخطة الأوروبية، سيُخصص نحو 600 مليون يورو فقط لدعم الموازنة العامة، بواقع 200 مليون يورو سنويًا، وهو ذات المعدل السنوي الثابت تقريبًا منذ أكثر من عقد (ما يعادل أقل من 20 مليون يورو شهريًا عبر آلية PEGASE لدعم الرواتب).

توقيت حساس... وتمويل غير كافٍ

تأتي هذه المساهمة في وقت تواجه فيه السلطة الفلسطينية واحدة من أسوأ أزماتها المالية على الإطلاق، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، وهي الأزمة التي لم تنعكس فعليًا على شكل زيادة في قيمة المساعدات الأوروبية، رغم المطالبات الفلسطينية المستمرة بذلك.

وبحسب تقديرات وزارة المالية الفلسطينية، فإن الحكومة تتلقى حاليًا فقط 250 مليون شيقل شهريًا من أموال المقاصة، انخفاضًا من حوالي مليار شيقل قبل عام، نتيجة سلسلة متصاعدة من الاقتطاعات تفرضها إسرائيل بشكل أحادي، بذريعة تعويضات لمواطنين إسرائيليين أو لاعتبارات سياسية، شملت مخصصات الشهداء والأسرى، ورواتب الموظفين في غزة، وتكلفة خدمات كالكهرباء والمياه.

الإيرادات والنفقات: فجوة مستمرة

وفي المقابل، تحقق الحكومة الفلسطينية نحو 400 مليون شيقل كإيرادات محلية (ضرائب ورسوم) شهريًا، كما في بيانات شهر شباط 2025. بذلك، يبلغ إجمالي الإيرادات الذاتية المتاحة نحو 650 مليون شيقل شهريًا، مقارنة بنفقات شهرية تفوق 1.5 مليار شيقل، منها 1.05 مليار شيقل رواتب وأشباه رواتب فقط.

وبهذا العجز، لا تغطي الإيرادات الذاتية أكثر من 60% من فاتورة الرواتب الشهرية. وحتى عند احتساب الدعم الخارجي، الذي بلغ في 2024 نحو 2.517 مليار شيقل (بمتوسط شهري 209 ملايين شيقل)، فإن إجمالي الموارد (ذاتية وخارجية) بالكاد يصل إلى 850 مليون شيقل شهريًا، ما يغطي فقط 56% من إجمالي النفقات الجارية.

لا جديد على صعيد معالجة الأزمة

رغم أهمية الدعم الأوروبي المعلن، إلا أنه لا يتجاوز من حيث الحجم ما قدم في السنوات السابقة، ما يجعله غير قادر على إحداث فرق نوعي أو معالجة جوهرية للأزمة المالية المتفاقمة. بل وتذهب التقديرات إلى أن الأشهر المقبلة قد تشهد تفجرًا ماليًا أكبر بفعل توالي قرارات المحاكم الإسرائيلية بمصادرة أموال المقاصة، بناءً على قانون "تعويض الضحايا" الذي أقرّه الكنيست، والذي يتيح اقتطاع ملايين الشواقل عن كل حالة وفاة أو إصابة تنسب إلى "أعمال فلسطينية".

دعم مشروط... وتمويل مستهلك

من الجدير بالذكر أن ما أعلن عنه الاتحاد الأوروبي هو جزء من رزمة دعم مشروط بإصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية، وهو ما تعمل عليه الحكومة الفلسطينية ضمن برنامج إصلاح يمتد حتى عام 2027، يشمل ضبط التوظيف، تقليص الإنفاق الجاري، ومكافحة التعدي على أملاك الدولة.

ورغم ما يبدو من التزام أوروبي سياسي بحل الدولتين ودعم الاستقرار المالي، إلا أن التركيز على القروض وتثبيت سقف المساعدات دون التوسع فيها، يعكس تحفظاً أوروبياً على توسيع الدعم في ظل غياب أفق سياسي واضح، ووسط انقسام فلسطيني داخلي وتعقيدات ميدانية غير مسبوقة.

خلاصة اقتصادية

في المحصلة، لا تحمل الحزمة الأوروبية أي تغيير جوهري على صعيد سد الفجوة التمويلية المتفاقمة، بل تؤكد أن الدعم الخارجي، رغم ضرورته، لا يكفي وحده لضمان الاستقرار المالي في ظل الاقتطاعات الإسرائيلية وتراجع الإيرادات المحلية.

والسيناريو الأقرب في الأشهر المقبلة، وفق المعطيات المالية الحالية، هو استمرار التآكل المالي التدريجي، أو البقاء في حالة المراوحة، في حال لم تتخذ خطوات سياسية ومالية عاجلة على المستويين الدولي والداخلي.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله