بالصور العطش ينهش النازحين في غزة: مياه مقطوعة مصادر ملوثة وأسعار تفوق القدرة

مياه الشرب.jpeg

يواجه سكان قطاع غزة أزمة مياه متفاقمة تهدد حياتهم اليومية في ظل استمرار الحرب وغياب المقومات الأساسية للحياة. حيث أدى الحصار الإسرائيلي المتواصل، والانهيار الشامل في البنية التحتية، إلى أزمة شحّ مياه غير مسبوقة طالت كافة مناحي الحياة.

ويكافح أكثر من 2.3 مليون نسمة من أجل الحصول على الحد الأدنى من المياه، سواء للشرب أو للاستخدامات المنزلية، في ظل تعطل غالبية محطات التحلية وتوقف الإمدادات الحيوية من الوقود ومواد الصيانة. وتُشير إفادات السكان إلى أن بعض العائلات لا تحصل إلا على 3 لترات للفرد يومياً، وهي كمية لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.

وتُظهر الشهادات الميدانية أن المواطنين باتوا يلجؤون إلى تعبئة المياه من آبار خاصة أو محطات متنقلة بأسعار باهظة، ما يُضيف أعباء مالية لا تحتملها العائلات التي تعاني أصلاً من الفقر والنزوح. كما ارتفعت أسعار صهاريج المياه بشكل كبير، وتصل تكلفة الصهريج الواحد في بعض المناطق إلى أكثر من 40 دولاراً، دون ضمان لنقاء المياه أو صلاحيتها.

نعيش أوضاعًا لا تُطاق في سبيل الحصول على المياه. بهذه الكلمات، عبّر المواطن أحمد صالحة (48 عامًا) عن معاناة عائلته التي تضم عشرة أفراد، ويقيمون في منزل مدمّر جزئيًا شمال قطاع غزة. يقول: "نعيش في دمار شامل، وكل ما نحلم به هو توفير المياه لأطفالنا. منذ بداية الحرب، لم نر المياه تصل إلى منازلنا بشكل طبيعي، والمياه القليلة التي تصلنا عبر الصهاريج الخاصة لا تكفي لأبسط احتياجاتنا".

صالحة أشار إلى أن عائلته بالكاد تحصل على كميات قليلة من المياه مرة كل ثلاثة أيام، ما يجعل مهامًا بسيطة كالغسيل والاستحمام مهمة شبه مستحيلة. وأضاف: "أطفالي ينامون وهم عطشى، لا يمكننا تحمّل تكلفة شراء المياه بشكل منتظم، فقد أصبحت من الكماليات".

ورغم اعتماد بعض العائلات على محطات التحلية الخاصة التي تُدار عبر مولدات كهرباء، فإن الأسعار المرتفعة تجعلها بعيدة المنال للكثير من الأسر. ويقول: "نشتري ما بين 100 إلى 200 لتر من المياه أحيانًا، لكننا لا نعرف إن كانت صالحة للشرب. هذه الكمية لا تكفينا ليومين، ونضطر إلى استخدام المياه أكثر من مرة أو تقنين استخدامها حتى لأغراض الطهي".

ويختتم حديثه قائلاً: "نحن لا نطلب ترفًا، نريد فقط ماءً نظيفًا لأطفالنا، وهذا أبسط حق إنساني يُحرم منه أكثر من مليوني إنسان في غزة".

بدوره يقول المواطن محمّد حسن ، البالغ من العمر 46 عامًا، إنه اضطر إلى ترك منزله والنزوح مع أسرته المكوّنة من سبعة أفراد إلى شاطئ البحر غرب مدينة غزة خلال شهر مايو/أيار 2025، حيث يواجه ظروفًا مأساوية في تأمين المياه الصالحة للاستخدام. وأضاف: "المعاناة الأكبر التي نواجهها هنا هي الحصول على المياه الآمنة والكافية، فالمياه التي تصل عبر الصهاريج تكون غير صالحة للشرب، ونضطر إلى استخدامها رغم رائحتها الكريهة ومذاقها المالح".

وأشار إلى أن الكمية التي يحصلون عليها – نحو 200 لتر – بالكاد تكفي ليومين، ويتقاسمها جميع أفراد الأسرة في الشرب والطهي والنظافة. وأوضح أن الحصول على المياه النظيفة بات يتطلب تنقلًا يوميًا طويلًا، في ظل الازدحام الشديد على نقاط التعبئة، خاصة في المناطق التي يسكن فيها آلاف النازحين. وتابع: "المياه التي نحصل عليها لا تفي بحاجتنا، ونضطر أحيانًا إلى غليها رغم أن طعمها يظل سيئًا، وكل ذلك يحدث في ظل حرارة الصيف وقلة النظافة، ما يفاقم من الأعباء الصحية والنفسية".

قال إسماعيل عطية، البالغ من العمر 40 عاماً، إنه يقطن حالياً في حي الزيتون شرق مدينة غزة، برفقة أسرته المكوّنة من 16 فرداً، ويضطر للعيش مع 10 من أقاربه في شقة صغيرة نتيجة النزوح المستمر. وأوضح أن الوصول إلى المياه بات من أكبر التحديات اليومية التي تواجههم، قائلاً: "المياه التي تصل عبر شبكات الإمداد المحلية شحيحة ومالحة، ولا تصلح للاستخدام المنزلي أو الشرب".

وأضاف عطية: "نضطر إلى نقل المياه النقية من مناطق بعيدة بواسطة عبوات بلاستيكية أو عربات تجرها الحيوانات، وهذا أمر شاق، خاصة في ظل ازدياد أعداد النازحين والازدحام على نقاط المياه. حتى المياه التي تصلنا عبر الصهاريج لا تكفي لتلبية الحد الأدنى من احتياجات الأسرة، مما يضطرنا لاستخدام مياه غير صحية أحياناً". وأكد أن الوضع يزداد سوءًا مع ارتفاع درجات الحرارة، متوقعًا حدوث أزمات صحية إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو

أما المواطن إبراهيم صالح، البالغ من العمر 50 عاماً، يقول إن معاناته في توفير المياه لعائلته المؤلفة من ثمانية أفراد تفاقمت بشكل كبير منذ بدء الحرب. وأوضح أنه يعيش في شقة صغيرة وسط مدينة غزة، برفقة عائلة أخرى نازحة تضم أربعة أسر يصل عدد أفرادها إلى 25 شخصاً. وأشار إلى أن المياه التي تصلهم عبر الخزانات تكون غالباً غير صالحة للاستخدام، ولا تكفي إلا لساعات قليلة من النهار.

وأكد صالح أن خزان المياه الخاص بمنزله، الذي لا تتجاوز سعته 500 لتر، لا يفي باحتياجات أسرته لأكثر من يومين، ويضطر في كثير من الأحيان إلى تقسيم الكمية على مدى ثلاثة أيام. وأضاف: "نلجأ إلى تعبئة المياه من محطات التحلية أو عبر صهاريج خاصة، لكنها باهظة الثمن ولا تتوفر دائماً، ما يضطرنا أحياناً لشرب مياه ملوثة". وشدد على أن ارتفاع أسعار المياه يجعل تأمينها تحدياً يومياً مرهقاً، في ظل انقطاع شبكات التوزيع واعتماد مناطق واسعة في غزة على مياه مالحة وغير آمنة.

ويعاني سكان قطاع غزة من أزمة خانقة في الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والاستخدام، حيث تحولت هذه المادة الأساسية إلى سلعة نادرة وصعبة المنال. فرغم المحاولات المحدودة لضخ كميات من المياه، إلا أنها تصل بشكل متقطع كل عدة أيام ولساعات قليلة، ما لا يغطي الحد الأدنى من احتياجات السكان اليومية، سواء للشرب أو للنظافة.

تُضطر العائلات، في ظل هذا الوضع، إلى الاعتماد على مصادر مياه بديلة، أغلبها غير آمنة، مثل صهاريج المياه أو محطات التحلية الخاصة التي تفتقر إلى الرقابة. ومع ندرة المياه، تغيب آليات الرقابة على جودة هذه المصادر، ما يعرض الأهالي، خاصة الأطفال والمرضى، لمخاطر صحية جسيمة.

تزداد معاناة المواطنين مع استمرار الحرب في غزة، وخصوصاً في مناطق النزوح المكتظة مثل خانيونس والوسطى وغرب غزة، حيث يتزامن الانقطاع شبه الكامل للمياه مع الارتفاع الكبير في أسعارها. وفي ظل الفقر المدقع الذي تعانيه معظم العائلات، أصبحت المياه عبئاً مالياً ونفسياً يضاف إلى أعباء النزوح والخوف من القصف والجوع.

المياه في غزة  (2).jpg
المياه في غزة  (3).jpeg
المياه في غزة  (1).jpg
المياه في غزة  (2).jpeg
المياه في غزة  (1).webp
المياه في غزة  (2).webp
 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة