المركز الفلسطيني لحقوق الانسان : النساء والأطفال يشكّلون الغالبية العظمى من ضحايا الإبادة الجماعية المستمرة بعد انهيار وقف إطلاق النار

الابادة في غزة.jpg

لم تتوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بل بقيت كامنة تحت هدنة هشة استنزفت الأرواح ببطء، قبل أن ينهار وقف إطلاق النار وتعود آلة الحرب الإسرائيلية لتفتك مجددًا بالمدنيين، وعلى رأسهم النساء والأطفال. مع استئناف الهجوم، تصدّر هؤلاء الفئات قائمة الضحايا، في مشهد يعكس فداحة الاستهداف. منذ انهيار الهدنة، استشهد 595 طفلًا و308 امرأة، ليرتفع إجمالي عدد الضحايا من النساء إلى 12,402، ومن الأطفال إلى 18,044 منذ السابع من أكتوبر 2023.

مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، المحامي راجي الصوراني، قال إن استمرار قتل النساء والأطفال دون محاسبة دولية هو وصمة عار أخلاقية تهدد المنظومة القانونية الدولية برمتها. وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية أكدت وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن جريمة إبادة جماعية تُرتكب في غزة، معتبرًا أن فشل الدول في مواجهتها يكرّس ازدواجية المعايير ويقوّض أسس العدالة.

ضحايا الغارات ليسوا مجرد أرقام، فالنساء اللواتي يُقتلن في القصف يخلفن وراءهن أطفالًا يتامى، ومجتمعات مفككة، وأسرًا بلا سند. هذه الجرائم لا تُنهي فقط حياة الأمهات، بل تزرع اضطرابات نفسية عميقة لدى الأطفال الناجين، تضعهم في دائرة هشاشة طويلة الأمد. الجدة سناء المشهراوي، 60 عامًا، روت كيف فقدت أبناءها وزوجاتهم وأحفادها في قصف دمّر منزلهم، ولم ينجُ من العائلة سوى ثلاثة أطفال يعانون اليوم من صدمات نفسية قاسية، بينما تحاول وحدها رعايتهم وسط واقع لا يرحم. الطفل سمير، أحد الناجين، وصف اللحظة قائلاً إنه شعر بالاختناق والتمزق بعد معرفته أن والديه وإخوته جميعًا قُتلوا.

الصدمات النفسية لا تقتصر على الأطفال، بل تطال الأمهات أيضًا. ت، م، وهي أم خمسينية، فقدت ابنها الوحيد عبد الرحمن الذي أنجبته بعد سنوات من محاولات الإنجاب. استشهد عبد الرحمن بعد زواجه بوقت قصير إثر قصف عنيف، وعُثر عليه تحت الأنقاض مرتديًا بدلة زفافه. تروي والدته كيف فقدت كل شيء دفعة واحدة: زوجها، ابنها، منزلها، وأملها في المستقبل. تقول إنها لم تستوعب موته حتى اليوم، وتشعر بأن النسل العائلي انقطع إلى الأبد.

استهداف الأطفال بهذا الشكل لم يكن نتيجة لأضرار جانبية كما تدعي إسرائيل، بل هو سياسة منهجية لإبادة الجيل الفلسطيني القادم. آلاف الأطفال انتُزعوا من أحضان أمهاتهم، وبعضهم لم تسنح لهم فرصة الوداع. الأمهات أنفسهن أصبحن ضحايا للفقد المضاعف، حيث يخسرن أبناءهن تحت القصف، دون أي إمكانية للحداد أو الدعم النفسي.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لوقف جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على هذه الجرائم. وأكد أن التحرك الفوري بات التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا لا يقبل التأجيل، مطالبًا الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بالوفاء الكامل بالتزاماتها. كما شدد المركز على ضرورة كفّ الدول الكبرى عن ممارسة الضغوط السياسية أو الترهيب ضد المحكمة الجنائية الدولية، ودعا الدول التي يحمل بعض جنود الاحتلال جنسياتها إلى فتح تحقيقات جنائية مستقلة عند وجود أدلة على تورطهم في الجرائم المرتكبة في غزة.

الإبادة في غزة لم تعد مجرد عنوان في نشرات الأخبار، بل كارثة إنسانية تهز ضمير العالم. كل يوم تأخير في وقفها يعني مزيدًا من الأرواح المفقودة، ومزيدًا من الأطفال الذين يكبرون في الظلام، يحملون أعباء الحرب وحدهم، دون حماية، ودون عدالة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة