يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف المنظومة التعليمية في قطاع غزة بشكل منهجي ضمن سياق حرب إبادة جماعية مستمرة، عبر تدمير البنية التحتية للمدارس والجامعات والمكتبات، وقتل وإصابة الآلاف من الطلبة والمعلمين، وتهجير مئات الآلاف، في ظل ظروف إنسانية تمنع استمرار العملية التعليمية. ونتيجة لذلك، يُحرم طلبة غزة من التعليم للشهر الثامن عشر على التوالي، وسط مخاوف من ضياع سنة دراسية جديدة.
تشير بيانات رسمية إلى أن 95.2% من مدارس غزة تضررت بفعل القصف، فيما تحتاج 88.5% من المباني المدرسية إلى إعادة بناء أو ترميم شامل. وتعرضت 241 مدرسة حكومية لأضرار جسيمة، بينما دُمرت 111 مدرسة بالكامل. كما استُهدفت 91 مدرسة حكومية و89 تابعة لـ"الأونروا" بشكل مباشر.
تدمير المدارس ارتبط بشكل مباشر بعمليات الإخلاء القسري، إذ دُمرت كل المدارس في مناطق الإخلاء شمال القطاع بنسبة 100%، وفي مدينة غزة بنسبة 92.8%، وفي رفح وصلت النسبة إلى 91%. كما استخدم الاحتلال عددًا من المدارس كمواقع عسكرية ومراكز احتجاز، ما زاد من عرقلة سير التعليم.
أكثر من 720 ألف طالب وطالبة انقطعوا كليًا عن التعليم منذ بدء العدوان. وبلغ عدد الطلبة الشهداء 13,419، إضافة إلى 21,653 جريحًا. كما استشهد 651 من الكادر التعليمي، وأصيب 2,791 آخرون. وتبقى أعداد المعتقلين من الطلبة والمعلمين مجهولة، لكنها تُقدّر بالمئات.
في 18 مارس 2025، استأنف الاحتلال عدوانه على غزة بعد هدنة مؤقتة، ما أدى إلى انهيار محاولات وزارة التعليم لاستئناف الدراسة، بما فيها التجهيزات لعقد امتحانات الثانوية العامة إلكترونيًا. وقد تم تأجيل الامتحانات للمرة الثانية بسبب تدهور الوضع الأمني، ما يهدد بضياع عام دراسي إضافي للطلاب.
الطالبة مرح شبانة، من طلاب الثانوية العامة، عبّرت عن يأسها: "الخوف رفيقنا اليومي. فقدنا الشغف والطموح، وأصبح من الصعب الاستمرار".
الواقع التعليمي في غزة مشلول منذ أكثر من عام ونصف، بسبب الدمار الواسع، وانقطاع الكهرباء والإنترنت، وانعدام الأمن، وتحول 62% من المدارس لمراكز إيواء. يعيش المعلمون والطلاب تحت ضغط نفسي كبير بسبب فقدان أفراد من العائلة أو ظروف الحياة القاسية، ما يحول دون استئناف التعليم حتى لو توفرت بعض الفرص.
ورغم كل ذلك، ظهرت مبادرات بديلة بدعم محلي ودولي، من بينها التعليم عبر المنصات الإلكترونية والدروس المسجلة، لكنها محدودة التأثير بسبب نقص الكهرباء والإنترنت وغياب الأجهزة لدى غالبية الطلبة.
بسـان السردي، مديرة مؤسسة تعليمية في النصيرات، قالت إنهم أطلقوا مبادرة تعليمية بديلة في خيمة تتسع لـ150 طالبًا ضمن ثلاث فترات يومية، معتمدين على متطوعين. وأضافت: "نعاني من نقص الدعم النفسي، وانعدام الأمن، وأحيانًا يتوقف التعليم بسبب القصف وأوامر الإخلاء".
تفاقم سوء التغذية لدى الطلبة، نتيجة الحصار ومنع دخول المساعدات، أثر أيضًا على قدراتهم الذهنية والجسدية، ما زاد من تراجع التحصيل التعليمي.
شام عمار، طالبة في الصف الثاني الثانوي، تحدثت عن تحديات التعليم الإلكتروني في غزة: "نفتقر للمدارس والمعلمين والكهرباء. أدرس على ضوء الشمس أو كشاف الهاتف. أضطر للسير لمسافات طويلة لتحميل دروس من الإنترنت، وأعاني من سوء التغذية والضغط النفسي".
مركز الميزان لحقوق الإنسان أدان بشدة استهداف إسرائيل الممنهج لقطاع التعليم، واعتبره جزءًا من سياسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، مطالبًا بتدخل دولي عاجل لوقف العدوان، وإنهاء الحصار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الطلبة ومؤسسات التعليم.
كما دعا المركز المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة إلى دعم جهود إعادة بناء المدارس، وتعويض الفاقد التعليمي، وتقديم برامج دعم نفسي واجتماعي للطلاب والعاملين في قطاع التعليم.