تتصاعد في إسرائيل دعوات لاتخاذ خطوات مالية "نوعية" ضد قطاع غزة، كان آخرها مبادرة مثيرة للجدل طرحها وزير الخارجية جدعون ساعر، تقضي بإلغاء التداول بأوراق نقدية من فئة 200 شيكل، بزعم استهداف الموارد المالية لحركة حماس. وقد حظيت الفكرة بدعم صريح من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وصفها بأنها "ممتازة"، في وقت تواجه فيه إسرائيل تعقيدات ميدانية متزايدة داخل القطاع.
الهدف المعلن: الضغط اقتصادياً على حماس
ساعر، وفي جلسة مجلس الوزراء، اعتبر أن المعركة مع حماس ليست عسكرية فقط، بل يجب أن تمتد إلى "جبهة اقتصادية حاسمة"، حسب وصفه. وقال إن الحركة تعاني حالياً من ضائقة مالية حادة، خاصة فيما يتعلق بدفع رواتب مقاتليها ونشطائها، وإن خطوة كهذه ستسرّع من "انهيارها المالي"، على حد تعبيره.
المبادرة تشمل خيارين:
سحب كامل لفئة 200 شيكل من التداول، واستبدالها بأوراق نقدية جديدة.
أو إلغاء سلسلة محددة من هذه الفئة، يُعتقد أن غالبيتها وصلت إلى غزة وتُستخدم من قبل حماس في التعاملات الداخلية.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وعدد من الوزراء أيدوا المقترح، فيما لم يصدر اعتراض رسمي داخل الحكومة. لكن بنك إسرائيل رفض الخطة بشكل قاطع، مقللاً من جدواها ومشيرًا إلى تعقيدات قانونية وتقنية تمنع تنفيذها.
الفلسطينيون: خطوة دعائية لا أكثر
من جهة فلسطينية، يرى مراقبون أن المقترح الإسرائيلي يأتي ضمن حملة إعلامية تهدف إلى تسويق "نجاحات وهمية" في ظل إخفاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في حسم المواجهة على الأرض. ويقول خبير اقتصادي ، إن "الحديث عن شلّ حماس بإلغاء ورقة نقدية هو أمر عبثي، لأن القطاع لا يعتمد فقط على العملة الإسرائيلية.
ويؤكد مراقبون أنّ "الكتلة النقدية في غزة لا تمرّ عبر قنوات مصرفية يمكن تعقّبها بدقة، والأوراق النقدية تتنقل بين المواطنين في ظروف استثنائية، ما يجعل أي إجراء إسرائيلي من هذا النوع صعبًا، بل مستحيلًا من الناحية العملية".
اقتصاديون إسرائيليون يعارضون الخطة
حتى داخل إسرائيل، جوبهت الخطة بانتقادات حادة من جانب اقتصاديين ومسؤولين سابقين. وأكد أحد كبار المسؤولين في وزارة المالية – طلب عدم ذكر اسمه – أن تنفيذ الخطة غير ممكن في ظل وجود تعاملات نقدية كبيرة داخل إسرائيل نفسها، وأضاف: "كيف يمكن لتاجر أن يتفحص الرقم التسلسلي لكل ورقة نقدية؟ هذا أمر غير واقعي تمامًا".
كما نبّهت جهات قانونية إلى أن المساس بالتداول النقدي العام يتطلب قرارات معقدة وتعديلات تنظيمية من بنك إسرائيل، وهو أمر لا يمكن فرضه بقرار سياسي مؤقت أو بدوافع أمنية فقط.
رسائل سياسية وواقع غير قابل للتطبيق
من وجهة نظر فلسطينية، يُنظر إلى تصريحات ساعر ونتنياهو على أنها جزء من محاولات سياسية لتوجيه الرأي العام الإسرائيلي نحو إنجازات "اقتصادية بديلة" تعوّض عن فشل التوغلات البرية في غزة، خاصة بعد الخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي يوميًا.
خلاصة المشهد: خطوة رمزية أكثر منها واقعية
رغم تأييد سياسيين إسرائيليين لهذه المبادرة، فإن التقديرات ترجّح عدم تنفيذها فعليًا، بسبب رفض بنك إسرائيل، وغياب أي دعم من الجهات الأمنية أو المصرفية المختصة. وحتى لو تم تبني الفكرة، فإن تداعياتها على الواقع في غزة ستظل محدودة، خاصة أن فئة 200 شيكل ليست العملة الوحيدة المتداولة، كما أن النظام الاقتصادي في القطاع قائم على المرونة والتكيف في ظل الحصار والحروب المتكررة.