كشف تقرير حقوقي حديث صادر عن مركز الأبحاث الهولندي "سومو" (SOMO) عن تورط شركات هولندية في تصدير كلاب هجومية إلى إسرائيل، تم استخدامها بصورة ممنهجة لتعذيب الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال ونساء وكبار سن، خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب التقرير، قامت شركات هولندية بتصدير ما لا يقل عن 110 كلاب هجومية إلى إسرائيل بين أكتوبر 2023 وفبراير 2025، غالبيتها قادمة من مركز "فور ويندز K9" المتخصص في تدريب الكلاب الشرطية. واستخدمت وحدة الكلاب العسكرية "عوكتس" التابعة لجيش الاحتلال هذه الكلاب في تنفيذ عمليات قمع واعتداءات ضد مدنيين فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
شهادات دامغة عن الانتهاكات
تسرد التقارير روايات مروعة، أبرزها شهادة أم فلسطينية من نابلس تدعى آمنة، حيث تعرض ابنها أحمد، البالغ من العمر ثلاث سنوات، لهجوم شرس من كلب أطلقه جنود الاحتلال داخل منزلهم. "سمعت ابني يصرخ، بناتي يبكين من الرعب. عندما أعادوه لي، كان فاقدًا للوعي ومغطى بدمائه"، تقول آمنة بألم. احتاج أحمد إلى 42 غرزة طبية وثمانية أيام من العلاج المكثف، بينما أصيب أشقاؤه بصدمة نفسية.
شهادات أخرى أوردها التقرير توثق تعذيب المعتقلين عبر إطلاق الكلاب عليهم ليلاً في السجون، ومهاجمة المرضى داخل المستشفيات، واستخدام الكلاب كوسيلة للضغط النفسي خلال التحقيقات. أحد المعتقلين في غزة روى كيف أجبر على النوم على زجاج مكسور تحت تهديد الكلاب وتم إطفاء السجائر على ظهره.
استغلال فاضح وتواطؤ أوروبي
على الرغم من التحذيرات والاحتجاجات التي أطلقتها منظمات حقوقية ونواب برلمانيون، تواصل هولندا تصدير الكلاب الهجومية إلى إسرائيل دون أي رقابة فعلية، إذ يتم تسجيلها ببساطة كحيوانات أليفة خلال عملية التصدير، دون تقييم أثرها على حقوق الإنسان.
وفي يناير 2024، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن عقد صفقات جديدة لشراء كلاب هجومية من موردين في هولندا وألمانيا. منظمات حقوقية مثل SOMO وتسع مؤسسات أخرى رفعت دعاوى قانونية ضد الحكومة الهولندية، مطالبة بوقف فوري لتلك الصادرات التي تسهم، بحسب وصفها، في "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وجرائم محتملة ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
المحامي الهولندي كريستيان ألبر دينغك تيجم، المشارك في القضية، أكد أن استمرار تصدير الكلاب يمثل "تواطؤًا غير مقبول في الانتهاكات الإسرائيلية"، داعيًا إلى فرض ضوابط صارمة أو وقف كامل لهذه التجارة.
الأورومتوسطي: صادرات الكلاب العسكرية الهولندية لإسرائيل تواطؤ بالجرائم الدولية وتتطلب وقفًا فوريًا وتحقيقًا عاجلًا
من جهته حمّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حكومة هولندا المسؤولية القانونية المباشرة عن التواطؤ في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة في قطاع غزة، على خلفية استمرارها في دعم آلة الحرب الإسرائيلية على نحو مباشر وغير مباشر.
وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي إنّ هولندا تواصل تصدير الكلاب العسكرية إلى جيش الاحتلال وسائر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، على الرغم من استخدامها أداة للتعذيب والترويع المنهجي للفلسطينيين، كجزء من المنظومة الإسرائيلية القائمة على فرض الهيمنة الشاملة عليهم، وتجريدهم منكرامتهم الإنسانية، وتدمير وجودهم كليًّا.
ووفق المعلومات التي نشرها "SOMO"، رفعت المحامية الهولندية "ليزبيث زيغفيلد" في عام 2017 دعوى قضائية ضد الشركة، لتكشف لاحقًا وثائق مسرّبة عن تدخل الحكومة الإسرائيلية، وبخاصة وزارتي الدفاع والعدل، للدفاع عن شركة “Four Winds K9”، وتقديم الدعم القانوني لها عبر شركات محاماة هولندية، بهدف حمايتها من أي مساءلة قانونية عن دورها في دعم الجرائم الإسرائيلية.
الاحتلال والابتكار القمعي
استخدام الكلاب المدربة كأداة قمع ضد الفلسطينيين ليس أمراً جديداً، لكنه ازداد بشكل ممنهج خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، ليصبح جزءاً من الاستراتيجية العسكرية في تفتيت النسيج الفلسطيني وبث الرعب بين المدنيين. هذه الممارسات تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وسط تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات رادعة حقيقية.