في الوقت الذي تحتفل فيه شعوب العالم بعيد العمال العالمي، يواجه العمال الفلسطينيون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في تاريخهم الحديث، نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي، وتدهور الأوضاع المعيشية، والانتهاكات الممنهجة التي طالت حقهم في العمل والحياة الكريمة.
وفي تقرير خاص أصدره مركز "شمس" لحقوق الإنسان والديمقراطية تحت عنوان: "تدمير سبل العيش: العمال الفلسطينيون ضحايا الحرب والحصار"، أكد المركز أن السياسات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، أدت إلى حرمان مئات الآلاف من العمال الفلسطينيين من حقهم في العمل، والعيش الآمن، والتنقل، والتأمين الاجتماعي، ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
أرقام صادمة: نصف مليون عامل فقدوا عملهم
أشار التقرير إلى أن حوالي 500 ألف عامل فلسطيني فقدوا وظائفهم نتيجة العدوان، من بينهم 200 ألف عامل كانوا يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، بعد أن تم سحب تصاريح العمل وإغلاق المعابر وفرض قيود أمنية مشددة.
وارتفعت نسبة البطالة إلى 75% في قطاع غزة و31% في الضفة الغربية، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما بلغت الخسائر الشهرية للعمال نحو 350 مليون شيكل.
حصار وتجويع واعتقال وقتل ممنهج
رصد التقرير الانتهاكات الإسرائيلية بحق العمال، بما في ذلك القتل المباشر وعمليات الاعتقال الواسعة. حيث قُتل 117 عاملًا في عام 2023، و56 عاملًا منذ بداية 2024، وتم اعتقال 8500 عامل، تعرّضوا للتنكيل والتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز.
كما أقرّ الكنيست الإسرائيلي قوانين جديدة تفرض عقوبات صارمة على العمال الفلسطينيين، منها السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات لمن يتم ضبطه دون تصريح داخل إسرائيل، إضافة إلى غرامات باهظة على من يساعدهم في التنقل.
نساء فلسطين العاملات: أولى الضحايا
أفاد التقرير بأن النساء العاملات تأثرن بشكل كبير بالحرب والحصار، إذ فقدن وظائفهن ومشاريعهن الاقتصادية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، نتيجة منع الحركة وتدمير المرافق، مما تسبب بانخفاض نسبة مشاركة النساء في سوق العمل إلى 18.7% فقط.
انهيار اقتصادي في غزة وارتفاع الفقر
بحسب مركز الإعلام الحكومي في غزة، فإن العدوان تسبب في تدمير 15 قطاعًا اقتصاديًا وخدميًا، ما أدى إلى شلل شبه تام في دورة الإنتاج، وفقدان عشرات الآلاف من فرص العمل. وأشار التقرير إلى أن أكثر من 90% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، ويعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية.
دعا مركز "شمس" إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة لضمان حماية حقوق العمال الفلسطينيين في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل. وطالب المركز بوضع استراتيجية وطنية شاملة للحماية الاجتماعية، تشمل التأمين ضد البطالة والعجز والمرض، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
كما شدد على ضرورة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يتيح بدائل اقتصادية مستدامة للعمال المتضررين، إلى جانب ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي قانونيًا أمام المحكمة الجنائية الدولية، بسبب الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها العمال.
ودعا المركز إلى توثيق الانتهاكات بشكل مهني ومنهجي، وإرسال التقارير إلى الجهات والمنظمات الدولية المعنية، مشددًا على أهمية تعزيز قدرات النقابات العمالية لتمكينها من الدفاع الفعّال عن حقوق العمال، وتنفيذ حملات مناصرة محلية ودولية مستمرة.
انعدام الحماية الاجتماعية
أكد مركز "شمس" أن منظومة الحماية الاجتماعية شبه غائبة، ولا توجد شبكة أمان للعمال في حالات العجز أو البطالة أو المرض، ما يجعل العامل الفلسطيني عرضة للفقر والتهميش دون ضمانات قانونية أو دعم حكومي فعّال.