في ظل حصار خانق ومتواصل، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة كارثة إنسانية متفاقمة، باتت المجاعة فيها أداة حرب تُستخدم بوضوح ضد السكان المدنيين، وفق ما تؤكده بيانات أممية وتقارير ميدانية. وقد قاد هذا الحصار إلى شلل تام في سلاسل الإمداد الغذائية، ما ترك الأطفال والنساء والفئات الضعيفة في مواجهة الجوع، وسوء التغذية، والموت البطيء.
حصار خانق وتدمير منهجي لوسائل الحياة
منذ اندلاع الحرب، فرضت إسرائيل إغلاقًا كاملاً على المعابر، ومنعت دخول المواد الغذائية، ومشتقات الوقود، والمساعدات الإنسانية، في وقت كثّفت فيه هجماتها على البنية التحتية الزراعية والصناعية، لا سيما في رفح والمناطق الشرقية والشمالية، ما دمّر قدرة السكان على إنتاج أو شراء الغذاء.
تشير التقديرات إلى أن 47% من سكان القطاع هم أطفال، جميعهم تقريبًا يعتمدون حاليًا على مساعدات إنسانية متوقفة منذ أكثر من شهرين. ومع انهيار الأسواق، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 1400%، تفشى الجوع بشكل جماعي في جميع أنحاء غزة.
انهيار غذائي شامل: الأطفال في عين العاصفة
حذّر برنامج الأغذية العالمي من انهيار غذائي وشيك، بعد نفاد أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية، دون أي مؤشرات على استئناف تدفق الإمدادات. وفي المناطق الجنوبية والوسطى، لم تصل أي قوافل إغاثية منذ أيام، وسط تفاقم المعاناة ونفاد السلع الأساسية.
تؤكد تقارير وزارة الصحة الفلسطينية و"Nutrition Cluster" أن 52 طفلًا توفوا جراء سوء التغذية منذ بداية الحرب، 95% منهم دون سن التاسعة، مع ازدياد حاد في معدلات سوء التغذية الحاد والهزال. كما سُجل ارتفاع بنسبة 300% في حالات الإجهاض التلقائي، و25% في الولادات المبكرة.
شهادات من قلب المأساة
المواطنية ألاء سامح تقول "ابنتي وُلدت بوزن 2 كغم وتعاني من الصفراء منذ ولادتها... لا يوجد دواء ولا حليب، وإن استمر هذا الوضع، سأفقد أطفالي واحدًا تلو الآخر"، تقول أم لأربعة أطفال نزحت من شمال غزة إلى وسط القطاع.
في مشفى العودة، تؤكد رئيسة قسم التغذية العلاجية أن نسبة الأطفال الذين يعانون من فقدان الوزن الحاد تتراوح بين 60 و70%، مع تراجع شديد في إنتاج الحليب لدى الأمهات. تم توثيق أكثر من 200 حالة إسهال، و30 حالة تسمم غذائي، و240 إصابة بأمراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال خلال عام واحد.
تأثيرات لا تُمحى: نمو متوقف ومناعة مدمّرة
تُظهر البيانات أن نحو 90% من الأطفال دون الخامسة يعانون من شكل من أشكال سوء التغذية. وتشير الإفادات إلى انتشار "التقزم" وتأخر النمو العقلي والذهني بسبب نقص العناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد واليود وأوميغا-3.
كما أن الجهاز المناعي للأطفال أصبح هشًا، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المعدية والمضاعفات الصحية الخطيرة. ويعاني كثيرون من اضطرابات سلوكية ونفسية ناجمة عن الجوع والضغط النفسي.
جرائم حرب في مرمى القانون الدولي
بحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن سياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ترقى إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وتمثل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المركز يدعو إلى تحرك دولي عاجل لإنهاء الحصار، ووقف الإبادة الجماعية، وضمان وصول الغذاء والدواء للأطفال والنساء والمرضى دون شروط.
"لا أفق للبقاء على قيد الحياة"، تقول إحدى الأمهات، "الأسواق خالية، وأسعار المواد الأساسية خيالية، والحصار يقتلنا ببطء".
الرضيعة الفلسطينية سُوار عاشور، البالغة من العمر خمسة أشهر، تتلقى الرعاية الطبية في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2025، حيث تعاني من سوء تغذية حاد ونقص في العلاج اللازم. ويُعزى ذلك إلى إغلاق إسرائيل لمعابر قطاع غزة منذ أوائل شهر آذار/مارس، ما حال دون وصولها إلى رعاية طبية مناسبة. ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد تم تسجيل 54 حالة وفاة بسبب سوء التغذية حتى الآن.