في صباح كل يوم يصحو المقدسي على مصائب جديدة،فلا يكاد يمر عليه يوم بدون إستهداف ،مدارس وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا"، اقتحمها جيش الإحتلال وعلق اوامر اغلاق على بواباتها،مشرداً طلبتها ال 800 وحارمهم من استكمال عامهم الدراسي ،وبما يلقي بتداعياته الإجتماعية والتعليمية والإقتصادية على طلبة تلك المدارس،ويجعل مصير عامهم الدراسي في مهب الريح،فالعام الدراسي في نهايته،وانتقالهم من مدارسهم الى مدارس اخرى،ليس بالأمر الهين او السهل،فهناك اختلاف المنهاج وفرص الإستيعاب لهم في نهاية العام الدراسي،في ظل مظلات تعليمية في القدس متعددة ،حيث الإختلاف في مرجعيتها وفي منهاجها تبدو ضئيلة.
وسبق الهجمة على مدارس وكالة الغوث واللاجئين،هجمة اخرى على طلبة المؤسسات التعليمية العليا،الجامعات الفلسطينية،حيث اتخذت بلدية الإحتلال ودائرة معارفها قراراً،يحرم اي طالب مقدسي من خريجي الجامعات الفلسطينية،كجامعة القدس وبيرزيت وبيت لحم والنجاح والخليل والأمريكية - جنين،والأهلية - بيت لحم والخليل، من الإلتحاق بسلك التعليم الحكومي في مدارس القدس،واشتراط حصولهم على شهادة جامعية من مؤسسة تعليمية اسرائيلية،وهذا سعي لتفريغ الجامعات الفلسطينية من طلبتها المقدسيين ومن عرب الداخل الفلسطيني- 48- ،تحت حجج وذرائع بأن تلك الجامعات لديها مضامين تعليمية وتربوية تحض على " الإرهاب" والكره والحقد ،والمقصود هنا الحرب على الوعي والهوية والثقافة والرواية والسردية والجغرافيا والتاريخ .
وسبق ذلك هجمة طالت المؤسسات المقدسية ولم تسلم منها المكتبات،حيث جرى اقتحام ثلاث مكتبات واحدة في شارع صلاح الدين في القدس مرتين،واثنتان اخريان في البلدة القديمة من القدس،تحت حجج وذرائع اقتناء وبيع كتب تحريضية ولها علاقة بالمفاهيم والمضامين الوطنية .
أما في إطار الحرب على المؤسسات المقدسية،التي يستهدف الاحتلال اضعاف المجتمع المدني،ومنع تلك المؤسسات من تقديم خدماتها له وللفئات المهمشة من أطفال ونساء وغيرها، قامت مخابرات الإحتلال ،بمداهمة واستدعاء عدد من اعضاء الغرفة التجارية الصناعية في القدس للتحقيق ومصادرة مجموعة من مستنداتها واوراقها ،ومن بعد ذلك جرى مداهمة مقر وقفية القدس في المدينة،واستدعاء بعض العاملين فيها للتحقيق،ومن ثم صدر قرار بمنعها من العمل في المدينة وخارجها،والحجج والذرائع،هي العمل لصالح السلطة الفلسطينية في القدس،ومخالفة ما يعرف بإتفاق الوسط لعام 1994،الذي يمنع السلطة الفلسطينية من بالعمل في القدس.
ولا ننسى بأن الحرب على الوجود الديمغرافي الفلسطيني في المدينة،تصاعدت بشكل غير مسبوق،فخلال الربع الأول من هذا العام،هدم اكثر من مئة منزل ومنشأة تجارية واقتصادية وزراعية في مدينة القدس،وليجري أمس الجمعة9/5/2025 تسلم اهالي عمارة الوعد في منطقة وادي قدوم - سلوان، التي سعى الإحتلال وبلديته الى هدمها في عام 2022،ولكن سلسلة انشطة وفعاليات شعبية ومجتمعية وتحركات سياسية ودبلوماسية، جعل بلدية الإحتلال تتراجع عن قرارها هذا،والبناية المهددة بالهدم،تضم 12 شقة ويقطنها اكثر من 85 مواطن جلهم من الأطفال والنساء.
أما فيما يتعلق بتهويد الأقصى،فالهجمة تستعر وتزداد حدة وبوتائر غير مسبوقة ،حيث يجري عملية تحريض ممنهجة من قبل حاخامات ما يعرف بأمناء الهيكل ووزراء متطرفين من امثال بن غفير وسموتريتش وعميحاي الياهو وغيرهم،وحتى السفير الأمريكي المتصهين في اسرائيل مايك هاكابي،قال بأنه يجب العمل على اقامة ما يعرف بالهيكل الثالث في قلب الأٌقصى.وشهدنا كذلك قيام جمعيات استيطانية وبلدية الإحتلال،بحفريات واسعة في منطقة "حوش الشهابي" ،رباط الكرد،الواقع بالقرب من باب الحديد،في المنطقة الغربية من المسجد الأقصى،تلك المنطقة التي تسعى تلك الجماعات المتطرفة الى اقامة كنيس يهودي فيها،والتي يعرفونها حسب مفاهيمهم التلمودية والتوراتية ب"المبكى الصغير"،من اجل توسيع ساحة حائط البراق" ،لكي يستوعب أكبر عدد من المصلين اليهود،ولتسهيل السيادة والسيطرة على الأقصى،ورباط الكرد هذا اقامه الخليفة المملوكي المقر سيف الكرد،حيث ان المماليك اهتموا من عام 1270م وحتى عام 1517 م بإقامة مؤسسات دينية في القدس ،منها مدارس وتكايا وزويا وأربطة وسكن للحجاج الفقراء القادمين للحج الى المسجد الأقصى،والذين لا يملكون المال لدفع تكاليف السكن.
ولا ننسى كذلك أن بعض الناشطين والحاخامات من أمثال النائشط في تلك الجمعيات التلمودية والتوراتية ارنون سيجال والحاخام يهودا وولفنسون والوزير المتطرف بن غفير، نشروا لهم صور عبر الذكاء الصناعي،وهم يدخلون قرابين القصح الحيوانية لساحات الأقصى،وصور لهدم مسجد قبة الصخرة وإقامة ما يعرف بالهيكل الثالث مكانه،حتى ان احد جنود الاحتلال ،نشر صورة لتفجير الأقصى وإقامة الهيكل مكانه.
والإحتلال من اجل منع أي شكل من اشكال السيادة او الوجود للسلطة الفلسطينية ورموزها في مدينة القدس ،منذ عام 2018 يفرض سلسلة من الإجراءات العقابية بحق محافظ المدينة عدنان غيث،سواء عبر عمليات الإستدعاء والتحقيق والإعتقالات المتكررة والإقامة الجبرية والحد من الحركة ،او منع الدخول للضفة الغربية،ناهيك عن الإستهداف له في شؤونه الحياتية،ومثل هذه العقوبات التي طالت العديد من الرموز والشخصيات المقدسية وطنية ودينية ومجتمعية،امتدت لتصل الى وزير شؤون القدس اشرف الأعور،حيث منعه الاحتلال من الدخول للضفة الغربية،وبالتالي منع وصوله لمقر الوزارة في الرام لمدة ستة شهور،والمنع لمدة سنة شهور في عرف الاحتلال ،ليس له سقف،فقد يصل الى عدة سنوات،فهناك القائد الوطني عبد اللطيف غيث ،أصبح منعه من دخول الضفة الغربية،ومنعه من الوصول الى مكان عمله في مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسرى، أحد عشر عاماً والحبل على الجرار.
ويجب ان لا يغيب عن بالنا حرب الديمغرافيا والتطهير العرقي والطرد والتهجير،التي يسعى اليها الاحتلال،لقلب الواقع الديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين،من خلال توسيع مساحة القدس لتبلغ 73 كم2،حيث يجري ضم مستوطنات جنوب غرب القدس اليها،"غوش عتصيون" و"مجمع افرات الإستيطاني" ومستوطنات مدينة القدس وصولا الى مستوطنات جنوب شرق القدس،مجمع " معاليه ادوميم" الإستيطاني.
عملية عزل القدس عن محيطها الفلسطيني جغرافياً وديمغرافياً ،وإقامة بؤر استيطانية في قلب الأحياء والبلدات المقدسية، لشطب ومنع أي حل سياسي يقوم على أساس حل الدولتين،ولمنع إعادة تقسيم المدينة،ولتحويل الأحياء المقدسية الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع.
هي الحرب على المدينة وعلى كل تجليات الوجود المقدسي فيها،فوق الأرض وتحت الأرض وحتى في القضاء الجوي.
القدس لم تتلق من الجهات الرسمية الفلسطينية، والعرب والمسلمين،سوى شعارات وبيانات الدعم والإسناد،دون أي ترجمة لفعل على ارض الواقع،والهجمة على القدس،من المتوقع أن تتصاعد بشكل جنوني، في ظل الوضع الناشيء والإنشغالات بما يحدث في قطاع غزة من حرب حصار وتجويع وطرد وتهجير وقتل ،وكذلك ما يجري في شمال الضفة من "هندستين" جغرافية وديمغرافية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت