كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن تصعيد خطير في سياسة التهجير القسري التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، في إطار خطة ممنهجة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه كشرط لإنهاء الحرب، وفق تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأكد المرصد أن إسرائيل أصدرت منذ مطلع عام 2025 أكثر من 35 أمرًا بالتهجير القسري، أثرت على أكثر من مليون فلسطيني، ودفعت بالمدنيين إلى مناطق ضيقة في جنوب القطاع، ما يمثل تنفيذًا عمليًا لما يُعرف بـ"خطة ترامب" لترحيل الفلسطينيين من غزة، وهو ما يعكس تحوّلًا واضحًا من استهداف جماعات مسلحة إلى استهداف الوجود الفلسطيني بالكامل.
تهجير منهجي وتجويع منظم
وأوضح التقرير أن عمليات القتل والتجويع وتدمير البنية التحتية تُستخدم كأدوات رئيسية في تنفيذ جريمة إبادة جماعية. وأشار إلى أن الأوامر الإسرائيلية بالتهجير باتت تُنفذ دون مبررات عسكرية، حتى دون ذريعة إطلاق صواريخ، في إشارة واضحة إلى أن الهدف ليس أمنياً بل تغيير ديموغرافي قسري.
وقد شملت الأوامر الأخيرة أحياء واسعة في شمال قطاع غزة، بما فيها جباليا وتل الزعتر وبيت لاهيا، وكذلك أحياء في خان يونس، حيث طلب من السكان التوجه إلى منطقة "المواصي" المكتظة أصلاً بالنازحين، رغم استمرار استهدافها بالغارات الجوية.
تجويع السكان أداة لفرض النزوح
أوضح المرصد أن التجويع يُستخدم بشكل ممنهج لدفع السكان نحو مناطق محددة لتلقي المساعدات، ضمن خطة إسرائيلية لإعادة رسم الخارطة السكانية لغزة. وقد رصدت المنظمة مئات الحالات لعائلات فلسطينية اضطرت للسير كيلومترات دون مأوى أو غذاء، فقط للهروب من القصف.
في حادثة مأساوية، قُتلت عائلة كاملة في خيمتها بمنطقة المواصي، حيث استهدفتها طائرات الاحتلال بشكل مباشر، ما يثبت أن "مناطق الأمان" المعلنة ليست سوى نقاط قتل مبرمج.
إسرائيل تطبّق خطة تفريغ غزة بالكامل
أوضح الأورومتوسطي أن الهدف النهائي من التهجير الجماعي هو إخراج الفلسطينيين من القطاع بالكامل، بعد أكثر من 19 شهرًا من القصف والدمار، تخللها تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية، وتهجير داخلي قسري لمئات الآلاف.
وأشار إلى أن ما يحدث الآن هو امتداد مباشر لمشروع الاستيطان الإسرائيلي الذي يسعى إلى القضاء على الكيان الفلسطيني ديموغرافيًا، مضيفًا أن الوضع الحالي يهدد مستقبل أكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية قاهرة.
دعوات دولية عاجلة للتحرك
طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته القانونية والإنسانية إزاء جرائم التهجير القسري التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، مؤكدًا أن ما يجري يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويستلزم تحركًا فوريًا وفاعلًا.
ودعا المرصد إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل، بما يشمل حظر تصدير الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم، ومنعهم من السفر. كما شدّد على ضرورة تعليق التعاون الأمني والعسكري والدبلوماسي مع إسرائيل، ووقف الامتيازات التجارية التي تمكّنها من مواصلة الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين.
كما دعا المرصد إلى الإسراع في تفعيل أدوات المساءلة الدولية عبر إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من كبار القادة العسكريين، والمباشرة في محاكمتهم عن جريمة الإبادة الجماعية. كما حث الدول التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية على التحرك القانوني من أراضيها لضمان العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب.
وأكد المرصد أن استمرار الصمت الدولي لا يعد فقط تقاعسًا عن حماية الضحايا، بل تواطؤًا فعليًا يشجع على المزيد من الجرائم. كما شدد على ضرورة التدخل العاجل لحماية المدنيين ووقف التهجير الجماعي قبل أن تصل الكارثة الإنسانية إلى نقطة اللاعودة.ش