في مشهد يُجسد أحد أكثر فصول الحرب وحشية، تتواصل في قطاع غزة عمليات نهب المساعدات الإنسانية بشكل ممنهج ومنظم، وسط غياب واضح لأي حماية حقيقية لقوافل الإغاثة، في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف فرق التأمين التي تسعى لحماية تلك المساعدات، وتغض الطرف عن المسلحين الذين يسطون عليها بشكل علني.
وفيما تشتد الأزمة الإنسانية وتتعمق مشاهد المجاعة، تحوّلت قوافل المساعدات القليلة التي يُسمح بدخولها إلى هدف للصراع والسيطرة، حيث أفادت تقارير ميدانية وحقوقية بأن عمليات السطو المسلح على شاحنات الإغاثة تتكرر يوميًا، خاصة في الطرقات الرئيسية ومداخل المدن، لاسيما جنوب ووسط قطاع غزة.
سطو على الطعام واستهداف الحماية
أكدت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أن المساعدات التي تدخل إلى القطاع لا تصل إلى مستحقيها بالشكل الآمن والمباشر، بل يتم السطو على بعضها من قبل مجموعات مسلحة، بينما تتعرض فرق الحماية ولجان التنظيم للقصف من قبل الاحتلال أثناء محاولتها تأمين مسارات التوزيع. وقد سقط عدد من الشهداء والمصابين خلال الأيام الماضية نتيجة استهداف مباشر من الطيران الإسرائيلي لمواقع تواجد هذه الفرق.
ولفتت الشبكة إلى أن ما يجري ليس عشوائيًا، بل يُعبّر عن فوضى مدبّرة ومقصودة، هدفها خلق بيئة من الانهيار الاجتماعي، وتمهيد الطريق لفرض آليات توزيع خاضعة لرقابة الاحتلال، تُستخدم لاحقًا كوسيلة ضغط على السكان.
غياب منظومة إنسانية مستقلة
ورغم ما تعلنه سلطات الاحتلال من سماح جزئي بدخول المساعدات، إلا أن تلك الإمدادات لا تتجاوز حدود التضليل السياسي، حيث أشارت إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن أقل من ربع الشاحنات التي يُفترض دخولها يوميًا تصل فعلًا إلى القطاع، في وقت يحتاج فيه السكان ما لا يقل عن 500 إلى 600 شاحنة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم.
وأعلنت الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي أن العشرات من شاحنات الطحين والإمدادات الغذائية تعرضت للنهب خلال الأيام الماضية، بينما تستمر معاناة الأهالي الذين يتكدسون في خيام وملاجئ مؤقتة، وسط تفاقم الجوع وغياب مقومات الحياة الأساسية.
الاحتلال يحمي اللصوص ويقصف الحماة
تؤكد المعطيات الميدانية أن الاحتلال يغض النظر عن اللصوص المسلحين الذين يعترضون المساعدات، بل يتدخل عسكريًا عندما تحاول فرق الحماية أو المواطنين تأمينها. وقد تم توثيق استهداف مباشر للمدنيين والمسعفين الذين حاولوا إجلاء الجرحى في أكثر من موقع، في سياسة قتل مركّبة، تهدف إلى منع أي محاولة لضبط الأمن أو حماية الإمدادات.
ويُنظر إلى هذه الممارسات كجزء من خطة أوسع لتفكيك الجبهة الداخلية في قطاع غزة، ودفع السكان نحو مناطق محددة تسيطر عليها قوات الاحتلال تمهيدًا لفرض نموذج توزيع جديد عبر شركات خاصة، يُشرف عليه الاحتلال أمنيًا، وترفضه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية.
دعوات للرقابة الدولية والمحاسبة
دعت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وفي مقدمتها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلى فرض آلية رقابة دولية مستقلة على دخول وتوزيع المساعدات في غزة، بعيدًا عن تحكم الاحتلال، محذّرة من أن "الاحتلال يسعى لاستخدام الغذاء كسلاح في حرب التهجير الجماعي".
كما طالبت هذه المؤسسات الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي بالتحرك العاجل لمحاسبة قادة الاحتلال على الجرائم الممنهجة، وعلى رأسها سياسة التجويع والاستهداف المتعمد للبنى الإنسانية.
"الخبز مقابل الولاء".. سياسة التجويع الجديدة
يرى مراقبون أن الاحتلال يحاول من خلال هذه الفوضى المُدارة فرض معادلة "الخبز مقابل الولاء"، حيث تُوزّع المساعدات بشروط سياسية وأمنية، وبإشراف ميداني من جنوده، في انتهاك صارخ لأبسط قواعد القانون الإنساني الدولي، وفي محاولة لتجميل صورته أمام العالم عبر ما يُسمى بـ"الاستجابة الإنسانية".
نداء فلسطيني موحد: أنقذوا غزة
في ظل هذه الظروف، تطلق المؤسسات الإنسانية والصحية الفلسطينية نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي، لإيقاف هذه الكارثة الأخلاقية والسياسية، ولضمان دخول فوري وآمن وكافٍ للمساعدات الإنسانية إلى كافة مناطق قطاع غزة، تحت إشراف أممي مباشر يضمن الحياد الكامل، ويحمي الفئات الأكثر تضررًا من دوامة التجويع.