أوامر الإخلاء تفرغ شمال غزة: نزوح قسري والأهالي يفترشون الشوارع في العراء بلا مأوى

نزوح الشمال 2.jpg

تقرير أحمد زقوت :- تُفاقم أوامر الإخلاء والنزوح المتكرر معاناة سكان شمال قطاع غزة، حيث يُجبر الآلاف على ترك منازلهم تحت القصف أو التهديد، ليواجهوا ظروفًا إنسانية قاسية تتمثل في انعدام المأوى، وشُحّ المياه، واكتظاظ العائلات في مراكز إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

وتتعمق مأساة السكان مع الانعدام شبه التام للمساعدات الإنسانية، حيث يواجهون انقطاعًا حادًا في الإمدادات الأساسية من غذاء وماء ودواء، في ظل غياب منظومة فعالة لتوزيع المساعدات بعدالة وشفافية، فيما تتحول المخيمات المكتظة إلى بيئة غير صالحة للعيش، مع ارتفاع درجات الحرارة وتدهور مستوى النظافة، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.

وأصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل نحو أسبوع، أوامر إخلاء جديدة لمناطق عدة شمالي قطاع غزة، حيث أنذر سكان أحياء: غبن، الشيماء، فدعوس، المنشية، الشيخ زايد، السلاطين، الكرامة، مشروع بيت لاهيا، الزهور، تل الزعتر، النور، عبد الرحمن، النهضة ومعسكر جباليا، بالإخلاء، فيما شهدت مناطق متفرقة شرق مدينة خان يونس جنوبي غزة، حركة نزوح واسعة لآلاف الفلسطينيين، بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء القسري لسكان تلك المناطق.

أرض قاحلة ومآسي متراكمة

تجلس النازحة أم بلال أبو سلعة في أرض قاحلة قرب مفترق بهلول بمدينة غزة، تحتمي بظل شادر مهترئ، تحاول اتقاء لهيب الشمس ومرارة النزوح، وتقول لمراسل "قدس نت" بصوت مبحوح يخنقه التعب: "هذه هي المرة العاشرة التي أنزح فيها من منطقتي المدمرة في مخيم جباليا، وكل مرة أعتقد أنها الأخيرة، لكن الحرب لا ترحم، أُخرجنا من منزلنا تحت القصف، وركضنا دون أن نأخذ معنا سوى الملابس التي نرتديها".

وتضيف وهي تنظر بحزن إلى طفلها النائم على الأرض الترابية بجوارها: "لم يتبقَ مكان لم ننزح إليه، وكل مرة نأمل أن تكون الأخيرة، لكننا نجد أنفسنا مجددًا في الشارع، وجئت إلى هذه المنطقة شبه الصحراوية لأنها كانت الخيار الوحيد، وهذه المرة هي الأصعب والأقسى، إذ لا توجد مدارس نستظل بها، ولا حتى خيام، وجلسنا هنا لأننا ببساطة لا نملك مكانًا آخر نلجأ إليه".

وتتابع أبو سلعة بأسى: "لا ماء، ولا حمامات، ولا طعام، حيث كنا نعتمد على التكايا الخيرية لتوفير قوت يومنا، ولكن اليوم لا توجد مساعدات، والأسعار مشتعلة، وإن أردت شراء شيء لا تجد المال"، مشيرةً إلى أنّ أطفالها أُصيبوا بأمراض نتيجة الحر الشديد والجلوس المستمر على الأرض، ما تسبب في احتراق بشرتهم، وهم لا يزالون في سن صغيرة لا تقوى على تحمل هذه الظروف القاسية.

حقيبة سفر وذكريات تحت الركام

بنبرة يغلب عليها الغضب والحسرة، يقول المواطن محمد أبو جاسر بينما ينصب خيمته المهترئة على أرض ترابية قاحلة، قرب طريق تغمره الرمال والغبار، لمراسل "قدس نت": "النزوح ذبحنا، وكل مرة نبدأ من الصفر، ولا نكاد نرتاح حتى نُجبر على الخروج مجددًا بسبب أوامر الإخلاء من الاحتلال"، مضيفاً: "لا بيت يؤوينا، ولا مكان آمن نلجأ إليه، صارت حياتنا حقيبة سفر وذكريات تحت الركام".

ويتوقف أبو جاسر لبرهة، ثم يشير إلى خيمته قائلاً: "هذه ليست خيمة، بل شادر ممزق لا يحمينا من حرّ الصيف ولا من برد الشتاء، لكنه كل ما تمكّنا من الحصول عليه"، لافتاً إلى أنّ "أهالي غزة أنهكهم التعب، لقد بلغ منا الإرهاق حدّه، ولم يتبقَ لدينا شيء؛ لا فرش، ولا أغطية، ولا حتى بصيص أمل يلوح في الأفق".

خيام تعجّ بالقوارض والحشرات

عند مدخل خيمتها المنصوبة على أرض ترابية، تجلس أم محمود عابد، أم لخمسة أطفال، تلوّح بقطعة كرتون مهترئة في محاولة لإبعاد البعوض عن وجوه أبنائها، بينما تتسلل الحشرات من كل جانب.

وفي حديثها لـ "قدس نت"، تؤكد عابد بقهر: "فقدنا منزلنا وأماننا، ونعيش اليوم داخل خيمة تعجّ بالحشرات، والبعوض، والنمل، والصراصير، وحتى الجرذان"، مبينةً أنّها تستيقظ في منتصف الليل على صراخ أطفالها، الذين يفزعون من لدغات الحشرات أو من خوفهم من الجرذان التي تتجول بين الفرش.

وتوضح عابد أنّ "القوارض تدخل إلى الخيمة بسهولة، تُفسد الطعام وتنشر روائح كريهة، ولا نملك مبيدًا لرشّها، ولا غطاء نحفظ فيه الطعام، والوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وكأننا لا نحسب من بني البشر".

وتشير إلى أن "أجساد أطفالي تغزوها اللدغات، فيمضون الليل يحكّون أجسامهم دون توقف، ولا نستطيع النوم.، وا مياه نظيفة للاستحمام، ولا حتى لغسل الأيدي، ولا يوجد حمام أو أدنى مقومات للحياة الكريمة، ونحن لا نعيش، بل نحاول النجاة يوميًا من القصف، ومن الحشرات، ومن الجوع، ومن المرض، لكن إلى متى؟ إلى أن نموت؟".

الأمم المتحدة: 80% من غزة مناطق عسكرية أو مهجّرة

بدوره، قال الأمين العام لـ "الأمم المتحدة"، أنطونيو غوتيريش، إنّ "الفلسطينيين في غزة يعانون ما قد تكون الفترة الأكثر وحشية في هذا النزاع القاسي"، محذّراً من "تصاعد الهجوم العسكري الإسرائيلي مع مستويات مروّعة من الموت والتدمير".

وأشار غوتيريش، في بيان، إلى أنه "طوال نحو 80 يوماً، منعت إسرائيل دخول المساعدات الدولية المنقذة للحياة، ويواجه جميع سكان غزة خطر المجاعة"، مضيفاً أنّ "80% من غزة تُصنّف إما كمناطق عسكرية إسرائيلية أو كمناطق أُجبر سكانها على مغادرتها".

كما بيّن الأمين العام، أنّ من بين نحو 400 شاحنة سُمح لها بالدخول إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، لم يتم جمع إمدادات سوى من 115 شاحنة فقط، لافتاً إلى أن "الاحتياجات هائلة والعقبات هائلة، بينما تُفرض حصص صارمة على البضائع التي نوزعها إلى جانب إجراءات تأخير غير ضرورية".

نزوح قسري واسع وسط غياب مقومات الحياة

من جانبها، أكدت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة مع اتساع رقعة النزوح القسري إثر أوامر إخلاء جديدة شمال القطاع، مشيرة إلى أن السكان فرّوا تحت القصف إلى مناطق غرب مدينة غزة، حيث نصبوا خيامهم في الشوارع وسط غياب كامل لمقومات الحياة أو أي استجابة إنسانية عاجلة.

ورصدت المؤسسة مشاهد مأساوية لعائلات تفترش الأرض في الحدائق والمرافق العامة دون ماء نظيف أو غذاء أو خدمات صحية، وسط استمرار إغلاق المعابر وتصعيد الاحتلال لسياسة "التجويع"، ما فاقم الأزمة.

ووفقاً للمؤسسة، بلغ عدد النازحين في غزة نحو 270 ألف مواطن، بعد نزوح أكثر من 150 ألفًا من شمال القطاع، معتبرة أن ما يجري انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، في ظل صمت دولي يكرّس الإفلات من العقاب.

ودعت المؤسسة إلى تحرك دولي عاجل لوقف العدوان، وفتح المعابر لإدخال المساعدات وتوفير مراكز إيواء آمنة ومجهزة للنازحين.

نزوح الشمال 17.jpg
نزوح الشمال 16.jpg
نزوح الشمال 15.jpg
نزوح الشمال 14.jpg
نزوح الشمال 13.jpg
نزوح الشمال 12.jpg
نزوح الشمال 11.jpg
نزوح الشمال 10.jpg
نزوح الشمال 9.jpg
نزوح الشمال 8.jpg
نزوح الشمال 7.jpg
نزوح الشمال 6.jpg
نزوح الشمال 5.jpg
نزوح الشمال 4.jpg
نزوح الشمال 3.jpg
نزوح الشمال 2.jpg
نزوح الشمال.jpg
نزوح الشمال 1.jpg

 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة