عيد الأضحى في غزة: عام ثانٍ بلا أضاحٍ ولا فرح تحت نيران الحرب والجوع

تحضيرات تحت الموت لعيد الأضحى (4).jpg

تقرير أحمد زقوت :- يُحيي أهالي قطاع غزة عيد الأضحى للعام الثاني على التوالي وسط أجواء الحرب، محرومين من أبسط مظاهر الفرح والطمأنينة، فقد مزّقت الحرب الإسرائيلية تفاصيل حياتهم اليومية، وخلّفت دمارًا واسعًا وأحزانًا عميقة، وفي وقتٍ تغيب فيه تكبيرات العيد، تحلّ محلها رائحة البارود والدخان، وسط استمرار القصف، وانهيار مقومات الحياة، وتفاقم معاناة النزوح، والحرمان من الغذاء والاحتياجات الأساسية.

ويحتفل المسلمون حول العالم بأداء مناسك الحج ويتوافدون إلى الكعبة المشرفة، بينما يُحرم أهالي غزة من هذا الركن العظيم للعام الثاني بسبب استمرار الحرب وإغلاق المعابر، لتُضاف هذه المأساة إلى سلسلة الحرمان التي يعيشونها في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل.

ويغيب عن عيد الأضحى في غزة هذا العام معظم مظاهره، فإلى جانب انعدام الأضاحي واللحوم، تشهد الأسواق نقصًا حادًا في المواد الغذائية الأساسية، مثل الدقيق والأرز والزيت، وغيابًا تامًا للحلويات والكعك بسبب نفاد المواد الخام وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، إذ كان الأهالي في هذا الوقت يستقبلون العيد بشراء الملابس وزيارة مزارع الأغنام لاختيار أضاحيهم.

ذكريات مؤلمة

تسترجع أم محمد لبد ذكريات أعياد مضت كانت تعج بالفرح، وتقول لـ "قدس نت": "عاد العيد إلينا حزينًا، والحسرة تملأ قلوبنا على من فقدنا من أحبّتنا، وعلى بيوتنا التي دُمّرت"، مضيفةً "كنا في مثل هذه الأيام ننتظر العيد بفرح، وكانت منازلنا تفوح برائحة الكعك والمعمول، أما اليوم، فلا شيء سوى رائحة الدم والحزن الذي يملأ المكان."

وتابعت لبد: "كنا نذهب أنا وعائلتي إلى مزارع الأبقار والأغنام لنشتري أضحيتنا، ونتشارك في ثمنها، ونقوم بحجزها حتى نذبحها بعد صلاة العيد، لقد كانت لحظات مليئة بالبهجة والتعاون، لكنها اليوم أصبحت من الماضي بسبب الحرب والدمار"، مشيرةً إلى أنها لم تعد
تنتظر العيد، بل توقف هذا الكابوس، وتتمنى أنّ تعيش يومًا واحدًا دون قصف أو خوف أو جوع.

ومن بين الذكريات التي لا تزال تسكن قلبها رغم الألم، تروي أمل المدهون لـ "قدس نت": "كنت أزيّن بيتي استعدادًا للعيد، وأكسو أطفالي بملابس جديدة كما اعتدنا كل عام، وكانوا يستيقظون باكرًا يرتدون أجمل ما لديهم، ويذهبون لأداء صلاة العيد، ثم يتوجهون بحماس لمشاهدة ذبح الأضاحي، فقد كانت الفرحة تملأ قلوبهم الصغيرة."

ثم تصمت قليلًا قبل أن تكمل بانكسار: "لكن هذا العيد جاء مختلفًا وحزينًا قاسيًا، فقد كسى أطفالي بثوب الموت بدلًا من ملابس العيد، وحرمت من ابتسامتهم، وفرحتهم، بعدما باغتتنا طائرات الاحتلال بالقصف، وحرمتني منهم إلى الأبد"، لافتةً إلى أنّها لم تشعر للعيد طعماً، لقد بات الحزن مقيمًا في قلبها، والوجع لا يفارقها.

الحرمان وفقد الأحبة

من جهته، يبوح الطفل محمود زملط لـ "قدس نت" بحنين موجع: "كان أبي يشتري لي الحلويات والألعاب في العيد ويأخذنا للتنزه، وكان يُحضّر لنا الفسيخ والكبد لنتناولها على الفطور صباح العيد، فقد كنت أراه وهو يذبح الخروف في ساحة منزلنا، ثم نذهب أنا وإخوتي لتوزيع أكياس اللحم على الأقارب والجيران".

ويلفت زملط إلى أن طقوس العيد التي كانت تملأ أيامهم فرحًا لم تعد كما كانت، مبيناً أنّ
"الضحكات كانت تعلو في البيت، والأقارب يزوروننا، وأنا وأخوتي نلعب في الساحة حتى غروب الشمس، وكنا نأكل اللحمة ونشوي الكباب ونتناول الحلويات طوال أيام العيد، وكانت أيامنا مليئة بالفرح واللعب،  لكن هذا العيد جاء مختلفًا، مظلمًا وحزينًا، لقد استشهد أبي خلال الحرب، واختفت معه ملامح الفرح، وحُرمنا من بهجة العيد."

الحاج أحمد حسين، أحد النازحين من شمال قطاع غزة، يصف حاله في عيد الأضحى لهذا العام، قائلاً في حديثه إلى "قدس نت":" قضيت عمري كله أحتفل بالعيد مع إخوتي وأولادي وأحفادي في بيتي الكبير، وكنا نذبح الأضاحي أمام الأطفال لإدخال الفرحة إلى قلوبهم، ونطهو منها طعامًا ونتشارك الغذاء في جمعة عائلية مليئة بالحب والبهجة".

ويتابع بحسرة: "اليوم، أعيش في خيمة نازح بعد أن هجّرتنا الحرب من ديارنا، ولا أضاحي، ولا بيت، ولا حتى أدنى مقومات الحياة، ونستقبل العيد بالدماء والقصف والدمار، في ظل معاناة شديدة من الجوع والحرمان، وقد غابت أجواء الفرح تمامًا"، لافتًا إلى أنّه "منذ بدء هذه الحرب الوحشية، نواجه تجويعًا ممنهجًا بفعل إغلاق المعابر ومنع إدخال الغذاء، لم نعد نجد لقمة خبز نسد بها جوع أطفالنا، وأجسادنا هزيلة، وأطفالنا يموتون بصمت بسبب سوء التغذية، لقد حاربونا برغيف الخبز نفسه."

عيد بلا ألعاب

من جانبه، يؤكد صاحب بسطة ألعاب في سوق الزاوية بمدينة غزة زهير خليل، لـ "قدس نت"، أنّ "أجواء هذا العيد تختلف كليًا عن الأعوام السابقة، بفعل آثار الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي، ما أدى إلى انخفاض كبير في إقبال الزبائن"، موضحاً أنّ "كثيرًا من العائلات باتت تركز على تأمين احتياجاتها الأساسية بدلًا من شراء الألعاب، حتى أن الأطفال أصبحوا يدركون صعوبة الوضع، ويتراجعون عن طلب الشراء وعيونهم ممتلئة بالحزن".

انهيار موسم الأضاحي وفقدان مصدر الرزق

ووفقًا للمزارع أبو خالد البلعاوي، فإنّ موسم عيد الأضحى تحوّل، للعام الثاني على التوالي، من مصدر فرح ورزق إلى ذكرى مؤلمة، مشيرًا إلى أنّه كان يبيع عشرات الأضاحي قبل العيد، وكانت المزرعة تعج بالزبائن والمواطنين، أما حالياً، فقد نفقت المواشي بسبب الحرب، ولم يعد الناس قادرين على الشراء وسط الجوع والدمار، مؤكداً أنّ توقف دخول الأعلاف واللحوم المبردة منذ 20 شهراً أدى إلى انهيار قطاع الثروة الحيوانية، ما قلّص المعروض من الأضاحي بشكل غير مسبوق.

حرمان من الركن الخامس

بدوره، قال رئيس جمعية أصحاب شركات الحج والعمرة في غزة، محمد الأسطل، إن ّحرمان سكان القطاع من أداء فريضة الحج هذا العام يعد انتهاكًا لحرية العبادة وحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن الحصة المخصصة لغزة انخفضت من 2850 إلى 2508 حاجًا بسبب الحصار والحرب.

وأوضح الأسطل في تصريحه، أنّ الجمعية وضعت بالتعاون مع وزارة الأوقاف خطتين بديلتين: الأولى خروج الحجاج من غزة وعودتهم، والثانية تسجيل أبناء غزة المقيمين في الخارج، ومع تعذر الخطة الأولى، تم تسجيل 1350 حاجًا من المقيمين في مصر والخارج، بينما حُوّلت الحصة المتبقية (1258 حاجًا) إلى أهالي القدس دعمًا للوحدة الوطنية.

فيما دمّر الاحتلال منذ بداية الحرب 828 مسجدًا بشكل كامل، وألحق أضرارًا جزئية بـ 167 آخرين، ما حرم آلاف المصلين من أداء صلاة العيد والجماعة، بعد أن تحولت المساجد من منارات للعبادة إلى أهداف عسكرية، كما لجأ نازحون إلى بعض المساجد المتضررة جزئيًا كملاجئ مؤقتة رغم المخاطر المحدقة.

تحضيرات تحت الموت لعيد الأضحى  (2).jpg
تحضيرات تحت الموت لعيد الأضحى  (3).jpg
تحضيرات تحت الموت لعيد الأضحى  (1).jpg
تحضيرات تحت الموت لعيد الأضحى  (4).jpg
 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة