مصطفى ابراهيم : - لا يبدو الصراع بين إسرائيل وإيران مجرد مواجهة عسكرية اعتيادية. فخلف أزيز الطائرات ودويّ الصواريخ، تدور معركة أكثر عمقاً، معركة الإرادة، والقدرة على التحمل، والسيطرة على السردية الإعلامية. منذ اليوم الأول، أصبح واضحًا أن الطرفين يسعيان لتحقيق إنجازات تتجاوز الحسابات العسكرية المباشرة، للمس في عمق بنية النظام في الطرف الآخر، وتوازنات القوة في المنطقة.
وحسب ما تتناوله وسائل الاعلام الإسرائيلية والمحللين والخبراء العسكريين، تسعى إسرائيل، بعد الضربة الافتتاحية القوية، إلى ترسيخ تفوقها الجوي في سماء غرب إيران، وتوظيفه في استهداف أكثر دقة لمراكز حساسة تتعلق بالبنية الأمنية والنووية للنظام الإيراني. وقد نجحت في اغتيال عدد من الشخصيات المؤثرة داخل المؤسسة النووية والعسكرية، ما يبعث برسائل مزدوجة، للداخل الإيراني، بأن النظام عاجز عن حماية نخبته العلمية والعسكرية وللخارج، بأنها قادرة على الوصول متى وأينما تشاء.
في المقابل، لم تلتزم إيران بدورها التقليدي كمفعول به في المعادلة. فقد استهدفت عمق الداخل الإسرائيلي، ليس فقط عسكريًا، بل وبنية تحتية في مناطق مدنية، في محاولة واضحة لكسر صورة "الجبهة الداخلية. ورغم أن دقة الصواريخ الإيرانية تطورت، فإن خسائرها في المنصات والمخزون بدأت تتضح، ما قد يدفعها إلى تبني سياسة أكثر حذرًا أو تقنينًا في إطلاق الصواريخ خلال الأيام المقبلة. وذلك حسب محللين إسرائيليين.
الصراع الحالي ليس ميدانيًا فقط، بل رمزي وإعلامي أيضًا. إيران، التي تعاني داخليًا من احتجاجات وشكوك شعبية متزايدة، تُكثف من دعايتها، حتى لو تطلّب الأمر فبركة أخبار عن إسقاط طائرات إسرائيلية أو توقيع إسرائيل على اتفاق استسلام، كما زُعم عبر حسابات على مواقع التواصل. هذا السلوك يعكس حجم الحرج الذي يشعر به النظام الإيراني، خاصة مع فشل الرواية الرسمية في تفسير الاختراقات الجوية.
على الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني هو الهدف المعلن للهجمات الإسرائيلية، إلا أن النتائج لا تبدو حاسمة بعد. صحيح، تمّت تصفية علماء، وتضررت منشآت، ولكن لا يوجد ما يؤكد تدمير مخزونات اليورانيوم المخصب أو أجهزة الطرد المركزي. إسرائيل تدرك أن وقف هذا البرنامج بالكامل يتطلب أكثر من مجرد ضربات محدودة، وربما يفتح الباب لتصعيد آخر إذا ما شعرت طهران بأن النظام بات على المحك.
رغم أن الطرفين يتعرضان لأضرار، إلا أن حجم المعاناة ليس متساويًا. وبما أن هذه حرب إعلامية بقدر ما هي عسكرية، فإن كل طرف يسعى لإخفاء خسائره.
يدعي بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين بالقول: إنه ربما يكون الإنجاز الأبرز لإسرائيل حتى الآن هو الجمع بين تصفية شخصيات بارزة وتحقيق تفوق جوي. فالنظام الإيراني بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي يواجه تحديات داخلية كبيرة، وهو نظام غير شعبي بطبيعته. وإذا كان خامنئي ينظر إلى السماء ويتخيل طائرات إف-35 الإسرائيلية تحلق هناك، فلا شك أن ذلك يؤثر على ثقته. قد تدفع هذه الضغوط النظام إلى التشدد أكثر خشية الظهور بمظهر الضعيف، مما قد يعجّل بانهياره. ويُخشى في المقابل من أن يرد النظام باختراق نووي معلن، كأن يجري تجربة في صحراء مفتوحة.
أما على صعيد الصواريخ، فقد أحرزت إسرائيل تقدمًا مهمًا عبر تدمير عدد من منصات الإطلاق وتقليص المخزون الصاروخي. وقد شهد عصر أمس إطلاق دفعة صغيرة نسبيًا من إيران استهدفت مواقع استراتيجية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى تقنين في استخدام ترسانتها الصاروخية. ومع ذلك، فإن أي صاروخ ينجح في تجاوز أنظمة الاعتراض يمكن أن يُحدث أضرارًا جسيمة.
الصراع الإسرائيلي-الإيراني تجاوز كونه معركة حدود أو نفوذ، إنه اختبار استراتيجي لقدرة كل نظام على البقاء في وجه أزمة متعددة الأبعاد، عسكرية، داخلية، ودولية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت