وفا- حسين نظير السنوار
مع اشتداد حرارة الصيف، أصبح العطش وشح المياه يلقيان بظلالهما على جميع مناحي الحياة في محافظات قطاع غزة كافة، في ظل أزمة حقيقية يعانيها المواطنون منذ نحو 20 شهرا، إذ إن 90% منهم -حسب إحصائيات أممية- لا يمكنهم الوصول إلى مياه صالحة للشرب، وسط انهيار شبه كامل في منظومتي المياه والصرف الصحي.
ما إن يسمع المواطنون أصوات أبواق شاحنات المياه، حتى يبدأوا بالتحلق حولها، حاملين غالونات، أو أواني، وبقايا علب المعلبات، وكل منهم يزاحم الآخر علّه يملأ المياه في أوانيه التي أصبح الحصول عليها مرهقًا ومتعبًا في ظل الشح الحاد في مصادرها، بسبب تعنت الاحتلال، ومنعه إدخال السولار والوقود، وقطعه الكهرباء، واستهدافه للآبار ومصادر المياه بشكل متعمد، ليخلق حالة من العطش، بالتوازي مع حالة المجاعة التي يمر بها القطاع.
ويقول المواطن محمود العرجا، نحن نموت عطشًا في ظل حر قاتل، مع اشتداد المجاعة، وحرمان المواطنين من أدنى متطلبات الحياة الآدمية من طعام وشراب، وكساء وضرب الاحتلال بكل القوانين الدولية والإنسانية عرض الحائط، ومحاربة غزة في كل سبل الحياة كافة.
ويتابع العرجا، أن قطاع غزة على حافة جفاف من صنع الإنسان، حيث تُقصف مصادر المياه وتُستهدف شاحنات نقلها، وتُقصف ألواح الطاقة الشمسية ومولدات الكهرباء التي تُستخدم في استخراج المياه، متمنيًا أن تنتهي الحرب وتعود الأمور إلى نصابها الصحيح قبل بدء العدوان على القطاع منذ أكثر من عشرين شهرا متتالية.
بينما يقول المواطن إبراهيم الدوش، لقد تحملنا الصعاب وآثرنا على أنفسنا واحتملنا الحياة القاسية التي يمر بها القطاع، إلا أن ذلك فاق التوقعات ووصل إلى مرحلة صعبة من استهداف الآدميين في قوتهم اليومي وسبل البقاء على قيد الحياة.
ويضيف الدوش، "أتمنى أن أرى المياه في الصنبور، فلم تتم تعبئة أغلب خزاناتها في القطاع منذ أكثر من عام ونصف عام"، متابعًا: نحن نعيش حالة من التقشف والترشيد الشديد في استخدام المياه بسبب صعوبة الحصول عليها، خاصة مع وقوع أغلبية الآبار المغذية للمواطنين في مناطق أجبرهم على النزوح منها، الأمر الذي خلق أزمة حادة مع اشتداد الحرب والحر معًا.
أما المواطن توفيق أبو طه، فيقول، أصبحنا نرى أطفالنا يذبلون أمام أعيننا من الجوع والعطش، ولم نعد نستطيع حمايتهم وتقديم الإسعاف لهم، في ظل نقص حاد في المياه النظيفة والصحية، وكذلك نقص الطعام واشتداد المجاعة وإجبار المواطنين على الذهاب إلى مصايد الموت للحصول على الطعام، فلم يعد بيدنا حيلة للذهاب إلى هناك والحصول على ما يعيننا على الاستمرار على قيد الحياة.
ويقول أبو طه، "أن مقولة ما في أحد بيموت من الجوع والعطش" هي حقًا غير صحيحة، فغزة يموت فيها الصغار والكبار جوعًا وعطشًا وجفافًا.
أما المواطن يوسف أبو الكاس، فيقول، ما إن أسمع أصوات شاحنات المياه تقترب من خيمتي حتى أهم بالخروج وأنا أحمل الغالونات وأصطحب أطفالي معي لجلب المياه التي أصبح الحصول عليها بشق الأنفس، مع الازدحام الشديد حول الشاحنات وانعدام مصادر المياه.
ويضيف: من الممكن أن أقف على طابور تعبئة المياه دون حصولي على قطرة واحدة، حيث تفرغ تلك الشاحنات المياه لمن يصل أولًا، وبعدها تغيب أحيانًا عدة أيام، دون أن تعود فنجبر على شراء المياه بأسعار مرتفعة تصل إلى قرابة الـ40 شيقلًا للكوب الواحد، والغالون إلى 4 شواقل، وهذا مرهق وصعب، في ظل الظروف المالية القاسية التي تعيشها غزة وأزمة السيولة.
وأعلن المتحدث باسم اليونيسف جيمس إيلدر، أن 60% من مرافق إنتاج مياه الشرب في غزة متوقفة عن العمل، ما يُعرّض السكان لخطر الجفاف المبرمج سياسيًا.
وقال إيلدر إن الأطفال في قطاع غزة سيبدأون بالموت عطشًا، ونحن بعيدون جدًا عن معايير الطوارئ لمياه الشرب والجفاف التي من صنع الإنسان إذ يمكن وقفها إذا توفر الوقود، مضيفًا أن نقص الوقود بسبب الحصار أدى إلى تعطّل محطات التحلية والضخ، وبالتالي انهيار إمدادات المياه.
بينما قالت سلطة المياه، إن كميات استخراج المياه في غزة انخفضت بنسبة 70-80% مقارنة بالوضع قبل الحرب، والقطاع أصبح يموت عطشا.
فيما قالت مصادر محلية، إن نحو 75% من آبار المياه التابعة لبلدية غزة تعرّضت لأضرار جسيمة، وإن سكان قطاع غزة لا يحصلون على حصة كافية من المياه يوميًا، وإنها لا تستطيع إيصال المياه إلا إلى أقل من 50% من مساحة البلدية.
وأشارت إلى أن بلدية دير البلح وسط القطاع أطلقت نداءً عاجلًا قبل انقطاع المياه بشكل كامل إذا لم يتم التدخل لمحاولة إيصال الحد الأدنى من المياه، وأنها تعمل على توفير المياه من خلال الآبار وهي المصدر الأخير المتبقي.
وتابعت أن 18 بئر مياه تعمل على تشغيلها في دير البلح من أجل توفير المياه، وهي تحتاج إلى 2500 لتر من السولار، متوقعة أنه قد لا نصمد لأكثر من أسبوع، إذا لم يتم تزويدنا بالسولار.
وأضافت، أن محافظة خان يونس التي تضم عددا كبيرا من المواطنين والنازحين من محافظتي خان يونس ورفح الذين لجأوا بعد تدمير مدينتهم، تعاني أيضًا معاناة كبيرة من شح كبير في المياه، خاصة بعد استهداف قوات الاحتلال مصادر المياه فيها، وقصف خطوط مياه ميكروت القادمة من إسرائيل والمغذية لها.
حرب تجويع وتعطيش ينتهجها الاحتلال بحق شعبنا، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، مع تشديد الحصار، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، والاستهداف المباشر والمنهجي لمراكز توزيع الطعام التي يتجمع حولها المجوّعون، الذين أصبحت رحلتهم للحصول على الطعام في العدوان هي رحلة للموت، فمن لم يمت من الجوع، فسيموت بالقصف.