لم يكن يدور في خُلد عادل حسين محمد أبو شنب (51 عاماً) من مخيم النصيرات، أن خروجه في ساعات الليل بحثًا عن المساعدات الغذائية لعائلته سينتهي بإصابة أبنائه الثلاثة واستشهاد أحدهم، برصاص وقنابل الاحتلال الإسرائيلي، قرب نقطة توزيع أنشأتها سلطات الاحتلال نفسها في منطقة وادي غزة، جنوب مدينة غزة.
يقول أبو شنب، وهو أب لخمسة أبناء، إن الظروف المعيشية التي فُرضت على سكان القطاع منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، دفعته مرغماً للتوجه إلى ما يسمى "نقطة المساعدات" التي أقامها الاحتلال قرب جسر وادي غزة، رغم إدراكه للمخاطر المحدقة بالمكان.
"ذهبت إلى النقطة أربع مرات خلال 18 يومًا، لكن في الليلة الأخيرة لم أعد كما خرجت.. عدتُ مُصابًا، وأحمل خبر استشهاد ابني"، يقول عادل بصوت مكسور.
في الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل السبت، 14 يونيو 2025، تحرك عادل برفقة أبنائه الثلاثة وسيم (26 عامًا)، حسام (27 عامًا)، ووسام (24 عامًا)، إضافة إلى صهره عمر خروف (28 عامًا) وعدد من الجيران، نحو نقطة المساعدات على بُعد كيلومترين شمال المخيم، مشيًا على الأقدام عبر أراضي زراعية مكشوفة.
وقبل وصولهم بدقائق إلى النقطة، وتحت جسر وادي غزة، أُطلق الرصاص الحيّ بكثافة من جهة الشمال والشرق، تبعته قنابل ألقتها طائرة استطلاع صغيرة (كواد كابتر)، فأُصيب عدد من أفراد المجموعة بشظايا، بينهم الأب وأبناؤه الثلاثة.
"أُصبت بشظايا في قدمي ويدي، مزّقت ملابسي وربطت الجراح كما استطعت. نظرت إلى ابني وسيم فلم يكن يتحرك.. أصابته شظية قاتلة في ظهره واستُشهد فورًا"، يروي الأب.
اضطر الناجون للانسحاب مشيًا على الأقدام نحو مستشفى العودة غرب النصيرات لتلقّي العلاج، تاركين جثمان وسيم خلفهم تحت الجسر. وبعد عدة ساعات، عاد الابن وسام وصهره عمر بمساعدة شبان من المنطقة لجلب الجثمان، وتم دفنه في مقبرة النصيرات بالقرب من مسجد القسام.
"كنا نبحث عن القليل من الطعام، فعدنا محمّلين بالألم.. لم نحصل على المساعدة بل خسرنا وسيم"، يقول الأب عادل بغصّة.
واقع إنساني كارثي
تجسد شهادة أبو شنب الواقع الإنساني الكارثي الذي يعيشه سكان قطاع غزة المحاصر، حيث يُترك المدنيون بين خيارين أحلاهما مُر: الجوع أو الموت. فبينما تروج سلطات الاحتلال لنقاط توزيع مساعدات شكلية، تحوّلت تلك النقاط إلى مصائد موت، يسقط فيها الفلسطينيون بين جريح وشهيد.
تأتي هذه الحادثة في ظل منع متواصل لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ومع تصاعد تقارير أممية وتحذيرات من خطر المجاعة، خاصة في المناطق المنكوبة وسط وشمال القطاع.
ويواصل الفلسطينيون نداءاتهم للمجتمع الدولي للضغط من أجل وقف الجرائم بحق المدنيين، وضمان وصول آمن وكريم للمساعدات، دون إذلال أو إراقة دماء.