لم تكن تعلم ميساء رجب عبد شملخ، (41 عامًا)، أن حياتها ستنقلب رأسًا على عقب بعد ساعات قليلة من اندلاع العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023. من شقة مستأجرة في حي تل الهوى غرب غزة إلى خيمة مهترئة قرب مستشفى شهداء الأقصى، ومن أم وسند لأربعة أبناء إلى امرأة تكافح يوميًا لإعداد الطعام بيد واحدة بعد إصابتها البليغة، سارت ميساء طريق العذاب والنزوح والشهادة والصمت الدولي الطويل.
غارة تطيح بكل شيء
في اليوم التالي لبدء العدوان، كانت ميساء مع أسرتها تستعد للانتقال إلى شقة جديدة، لكن صاروخًا إسرائيليًا دمّر عمارتهم القديمة قبل أذان المغرب. ضاعت معهم ذكريات 23 عامًا من الحياة الزوجية، وكل ممتلكاتهم ووثائقهم الرسمية.
تقول ميساء: "كنا نملك فقط ما نرتديه. كل شيء آخر تحول إلى ركام، حتى صور أطفالي لم تعد موجودة".
من مستشفى إلى آخر… ولا ملاذ آمن
مع تصاعد العدوان، انتقلت العائلة من مستشفى القدس إلى الشجاعية، ثم إلى الجنوب تحت نيران الدبابات. لا ماء، لا طعام، لا مأوى. في جامعة الأقصى بخانيونس، عانوا من الجوع، وتنام ميساء بجانب ابنتها قرب الحمامات، يفصلها عن الآخرين “شادر” بسيط. زوجها يبيت في مسجد المستشفى بسبب ضيق المكان.
"كنت أطبخ على الحطب، وأقف في طوابير الحمام. أطفالي جاعوا، وابني أحمد حلم بمنقوشة زعتر، ولم أستطع تلبيته"، تروي بحرقة.
صاروخ على الخيمة… وبترٌ بارد
في فجر 14 أكتوبر 2024، سقط صاروخ إسرائيلي على خيمتهم دون سابق إنذار. بُترت يد ميساء اليسرى تقريبًا، وأصيبت ابنتها في ساقها بـ60 غرزة وبلاتين. تقول ميساء: "خرجت من الخيمة والدماء تغمرني، وابني محمد مصاب في رأسه... أمسكني فصرخت: لا تلمس يدي، فيها بتر".
لاحقًا، تبيّن أن إصابتها تعاني من قطع في العصب الزندي والكعبري، وأن العلاج المحلي غير كافٍ. أجرت عملية في المستشفى الأوروبي لكنها فشلت جزئيًا بسبب خطأ في وضع الجبس.
إعالة بيد واحدة… وألم دائم
اليوم، تعيش ميساء بإعاقة شبه كاملة في يدها اليسرى. لا تستطيع فردها، وتُعاني من نوبات ألم مزمنة. تقوم بأعمال المنزل بيد واحدة، وتساعدها ابنتها المصابة كذلك. تقول: "أنا أم وسند، وفقدت قدرتي على خدمة بيتي. لم أعد أستطيع حتى تسريح شعري أو ارتداء ملابسي دون مساعدة".
رغم إصابتها، كانت ترعى ابنتها بعد العملية وهي تصرخ من الألم. لم تتلقَ أي دعم نفسي أو مادي، وتُعاني من أمراض مزمنة مثل السكري والضغط وأنيميا حادة.
نداء مفتوح للعدالة والرعاية
تحلم ميساء بالحصول على تحويلة علاجية خارج غزة لإجراء جراحة أعصاب قد تنقذ يدها من البتر النهائي. تصف تأخر العلاج بأنه "جريمة صامتة"، وتقول:
"أريد فقط أن أعيش بكرامة، أن أستعيد يدي، أن أُطعم أولادي دون ألم."
وتضيف: "الاحتلال لم يكتفِ بقتلنا بالقصف، بل يتركنا نموت ببطء بالإهمال، والتجويع، والخذلان."
قصة ميساء ليست مجرد مأساة شخصية، بل صورة مكثّفة لواقع آلاف النساء الفلسطينيات اللواتي يحملن عبء العائلة في زمن الإبادة الجماعية، دون أدنى حماية أو مساءلة.