يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث يواجه أكثر من مليوني فلسطيني خطر العطش القاتل في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية المائية، بالتوازي مع توقف أغلب مصادر المياه العذبة واشتداد الحرارة الصيفية التي فاقمت المعاناة اليومية للسكان والنازحين على حد سواء.
انقطاع شامل لمصادر المياه العذبة
توقفت خطوط إمداد المياه العذبة من الجانب الإسرائيلي، وعلى رأسها خط "ميكروت"، الذي كان يُعد أحد المصادر الحيوية لتغذية أجزاء واسعة من قطاع غزة بالمياه. كما توقفت محطة التحلية المركزية في مدينة دير البلح عن العمل، نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي ونفاد الوقود اللازم لتشغيلها، الأمر الذي أدى إلى انعدام شبه تام للمياه الصالحة للشرب.
انهيار كامل في قدرات البلديات على إدارة الأزمة
أكد رئيس بلدية دير البلح، نزار عياش، أن الأزمة الحالية أدخلت المدينة في "حالة عطش كارثية"، حيث باتت البلدية غير قادرة على توفير كميات المياه الدنيا للسكان والنازحين، الذين يقدّر عددهم بأكثر من 100 ألف نسمة إلى جانب الآلاف من المهجّرين القادمين من مناطق أخرى.
وأضاف عياش أن المدينة كانت تعتمد على ما يقرب من 1600 كوب يوميًا من المياه المحلاة، إلى جانب كميات كبيرة من خط "ميكروت"، مما ساعد سابقًا على استقرار نسبي في عمليات الضخ داخل دير البلح ومحيطها. غير أن توقف الخطوط والمحطة بالكامل أدى إلى غياب تام للمياه العذبة، في وقتٍ يُعد فيه تزويد السكان بالمياه ضرورة بقاء.
خان يونس: 90% من مصادر المياه خارج الخدمة
الوضع في مدينة خان يونس ليس أقل مأساوية. فقد وصف رئيس قسم المياه في البلدية، المهندس سلامة شراب، الوضع بـ"الكارثي"، مشيرًا إلى أن 90% من آبار المياه قد خرجت عن الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلي المباشر، فيما تعمل الآبار المتبقية بطاقة لا تتجاوز 50%.
وأوضح شراب أن المدينة فقدت 25 بئراً من أصل 37، بينما تعرضت الخطوط الناقلة للمياه للتدمير الكامل، بما في ذلك الآبار التي كانت تغذي خزان البراق غرب المدينة، حيث توقفت 8 من أصل 10 آبار عن العمل، ما أدى إلى فراغ الخزانين الرئيسيين.
وأشار إلى أن الوقود المتوفر لا يكفي لتشغيل أكثر من 20% من احتياجات تشغيل الشبكات، مما ينذر بانهيار شامل للمنظومة خلال أيام في حال لم يتم التدخل العاجل.
غزة المدينة: 85% من مصادر المياه خارج الخدمة
في مدينة غزة، أوضح المتحدث باسم اتحاد بلديات القطاع، حسني مهنا، أن ما يصل المدينة لا يتجاوز 15% من إجمالي حاجتها اليومية من المياه، نتيجة التدمير الواسع للآبار ونفاد الوقود، وتضرر منظومات الطاقة الشمسية التي كانت تُستخدم بديلًا عن الكهرباء.
وأشار إلى أن الاحتلال دمّر محطة تحلية شمال غرب المدينة، والتي كانت تنتج نحو 15 ألف كوب يوميًا، وهو ما يمثل نحو 10% من احتياجات المدينة، فيما تم إخراج نحو 100 بئر من الخدمة بالكامل، ولم يتبق سوى 19 بئراً فقط تعمل بشكل جزئي.
وأكد مهنا أن متوسط نصيب الفرد من المياه اليومية انخفض إلى أقل من 3 لترات، وهي كمية لا تكفي حتى للاستخدامات الأساسية، ما يهدد بتفشي الأمراض خصوصًا في مراكز الإيواء المكتظة.
تحكم إسرائيلي كامل في مصادر المياه
تُعد سلطات الاحتلال المتحكم الوحيد بخط "ميكروت"، وتقوم بإغلاق المحابس أو فتحها وفق سياسات تضييق ممنهجة، دون أي التزام بالاتفاقيات الدولية، ما يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية بصورة متعمدة.