كتب وليد العوض:
عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية مجددًا عن انحيازها الكامل لدولة الاحتلال، بل ومشاركتها الفعلية في حرب الإبادة والتجويع ومحاولات التهجير التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني. ففي 31 تموز/يوليو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية فرض سلسلة من العقوبات على مسؤولين في السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، بذريعة أن تحركاتهم السياسية والدبلوماسية "تقوّض الالتزامات تجاه عملية السلام". وشملت هذه العقوبات حرمان هؤلاء من تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، إلى جانب إجراءات تمسّ مكانة السلطة والمنظمة، في محاولة لابتزاز القيادة الفلسطينية وثنيها عن مواصلة جهودها المثمرة في هذا السياق.
وقد جاءت هذه العقوبات ضمن مسار أميركي متواصل يستهدف عرقلة التحرك الفلسطيني المشروع في المحافل الدولية، لوقف الإبادة الجارية ومحاسبة الاحتلال، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني وفقًا لما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية. إلى جانب ذلك، تضغط واشنطن على العديد من المؤسسات الدولية ورؤسائها للحدّ من دورهم في إدانة جرائم الاحتلال، خاصة بعدما حققت الدبلوماسية الفلسطينية اختراقات هامة، كان أبرزها مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ومسؤولين آخرين، وقرارات محكمة العدل التي دانت الاستيطان والعدوان، بالإضافة إلى توسيع الاعترافات الدولية بدولة فلسطين.
وليس من قبيل المفاجأة أن العقوبات الأميركية جاءت مباشرة بعد انعقاد "مؤتمر نيويورك"، الذي ترأسته السعودية بما تمثله من مكانة على صعيد الشرق الأوسط، وفرنسا بما تمثله من مكانة في العالم، والاتحاد الأوروبي. وقد أصدر هذا المؤتمر بيانًا واضحًا أكّد فيه أن الاعتراف بدولة فلسطين قد حان وقته على أسس واضحة. كما دعا إلى الالتزام الفعلي بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وقد حظي هذا المسار بدعم دولي ملحوظ.
البيان المذكور، فلسطينيًا، لا يقبل التأويل أو التردد، بل يفرض وضوحًا في الالتزام بالتخلي عن لغة الاستدراكات والمراوغات والاشتراطات التي حكمت تصرفات غالبية الفصائل الفلسطينية على مدار سنوات طويلة. فقد حدد مؤتمر نيويورك هذه المرة بشكل صريح الأسس المطلوبة: "دولة واحدة، سلاح واحد، قانون واحد، والالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي والتزاماتها".
هذا التلخيص المكثف للحراك الدولي يفتح الباب واسعًا أمام موجة اعترافات بدولة فلسطين، يُتوقّع أن تبلغ ذروتها خلال انعقاد الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
ورغم أن دولة الاحتلال بدأت منذ اللحظة الأولى بالتهرب من هذه التوجهات، عبر هجومها العنيف على البيان، وتهجمها على وزراء خارجية ورؤساء دول أوروبية أعلنوا استعدادهم للاعتراف بدولة فلسطين، فإن واشنطن، بعقوباتها الأخيرة، لا تفعل سوى محاولة مكشوفة لقطع الطريق على هذا المسار. بل إنها ابتزاز سياسي رخيص، يهدف إلى ترهيب القيادة الفلسطينية ودفعها للتراجع، مما يتطلب موقفًا وطنيًا صلبًا، يرفض الانكفاء، ويحذر من الانجرار وراء وعود أميركية خادعة.
كما يتطلب من جميع القوى الفلسطينية الارتقاء فوق الحسابات الضيقة، والوقوف دعمًا لهذا التوجه الاستراتيجي، دون الوقوع في فخ ما يُعرف بـ"الكيد السياسي". فـ"قطار الاعتراف" ينطلق بسرعة، ولا يجوز أن نضيّع اللحظة بالتنازع على "جلد الدب قبل اصطياده".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت