الشجاعية تتحول إلى أنقاض: حيّ تاريخي يواجه الإبادة الإسرائيلية الشاملة وتدميرًا يشبه الزلزال

الشجاعية غزة.jpg

لم يعد حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة كما كان؛ الحيّ الذي كان ينبض بالحياة، بات اليوم مسرحًا للخراب الشامل. غابت عنه صرخات الأطفال، وتلاشى صخب الأسواق، وتحولت أزقته القديمة إلى أنقاضٍ صامتة لا ملامح لها ولا أسماء، بعدما سحقته آلة الحرب الإسرائيلية ضمن سياسة التدمير الممنهج التي تطال كافة مناحي الحياة في قطاع غزة.

قصف لا يتوقف وسماء لا تهدأ

ورغم إعلان جيش الاحتلال تراجع قواته البرية من داخل الحي إلى أطرافه الشرقية، لم تغب الطائرات المسيّرة عن سماء الشجاعية، ولا هدأت الغارات الجوية، التي واصلت استهداف المنازل والمنشآت والبنية التحتية، وكأنها تسعى لإتمام ما تبقى من دمار.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، حاولت بعض العائلات العودة لتفقد منازلها، مدفوعة بالأمل أو الحنين، إلا أن ما واجهوه من مشاهد دمار كان كفيلاً بأن يسلبهم القدرة على الكلام. فالمنازل لم تعد إلا أعمدة مكسّرة وهياكل منهارة وركام يملأ الطرقات، في مشهد لا يختلف كثيرًا عن آثار الزلازل.

شهادات من قلب الجريمة

الصحفي الفلسطيني فايز قريقع حاول العودة إلى منزله في الحي، لكنه صُدم بهول الدمار، وقال في مقطع مصوّر بثّه عبر فيسبوك:
"حاولت الوصول إلى بيتي، لكن كانت الصدمة أن لا بيت هناك… كل البيوت دُمّرت، وعند وصولي استهدفنا الطيران المسيّر، فاضطررنا للعودة".

بدوره، وثّق الصحفي محمد عبد مشاهد الدمار قائلاً:
"الجيش انسحب قليلًا إلى أطراف الحي، لكن الدمار صادم. الحي بأكمله كومة من الركام، الأهالي يبحثون عن متاعهم، فلا يجدون سوى الحطام والأخشاب. لا شيء سوى الخراب يمتد على مدّ البصر".

حيّ استراتيجي... لم ينجُ من المجزرة

حيّ الشجاعية، الذي يقطنه أكثر من 110 آلاف فلسطيني، يُعد من أكثر أحياء غزة كثافة سكانية، ويمتد على مساحة تفوق 14 ألف دونم. ويضم أربع مناطق رئيسية: التركمان، والتركمان الشرقية، والجديدة، والجديدة الشرقية، ويخترقه عدد من الشوارع الحيوية مثل شارع المنصورة، وشارع البلتاجي، وشارع صلاح الدين.

لم تسلم من نيران الاحتلال لا المنازل ولا المدارس ولا المراكز الطبية، ولا حتى المساجد ودور العبادة ومحطات المياه. كما دُمّرت المنطقة الصناعية وسوق الشجاعية الشعبي، الذي كان يعدّ من أبرز معالم الحياة الاقتصادية في المدينة.

معارك عنيفة... وصمود فلسطيني

خلال العدوان المتواصل، شكّل الحي ساحة مواجهة شرسة بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينية، حيث توغلت الآليات العسكرية عدة مرات. وقد خاضت المقاومة معارك عنيفة للدفاع عنه، وألحقت خسائر مباشرة في صفوف الاحتلال.

وفي 31 يوليو/تموز الماضي، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أنها تمكّنت من قنص جنديين إسرائيليين قرب مدرسة الناصرة في شارع بغداد بالحي، كما أعلنت فصائل أخرى عن استهداف آليات متوغلة وقتل وإصابة جنود إسرائيليين خلال الاشتباكات.

لاحقًا، أعلن جيش الاحتلال انسحاب الفرقة 98 من شمال قطاع غزة، مشيرًا إلى أنها "أنهت عملياتها في الشجاعية والزيتون"، ضمن ما سماها "مهام إضافية"، في مؤشر على إعادة تموضع ميداني مؤقت.

الشجاعية... نموذج للإبادة الجماعية المستمرة

ما تعرّض له حي الشجاعية يُجسد نموذجًا صارخًا لسياسة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بحق قطاع غزة، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، منذ السابع من أكتوبر 2023. إذ تُرتكب مجازر متواصلة تشمل القتل، التجويع، التدمير، والتهجير القسري، في ظل تجاهل كامل من المجتمع الدولي.

وقد خلّفت الحرب حتى اليوم أكثر من 209 آلاف شهيد وجريح، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين الذين يواجهون الجوع والموت البطيء في ظروف إنسانية كارثية.

في الختام: من الركام تولد الشهادة... ويُولد الإصرار

رغم فظاعة الدمار، لا يزال في الشجاعية وأحياء غزة رجال ونساء يتمسكون بالأمل ويؤمنون بحقهم في البقاء. فالركام الذي يحاول الاحتلال أن يدفن تحته الذاكرة، لن يطمس الإرادة الفلسطينية، ولن يُنهي الحكاية. ستظل الشجاعية شاهدة على الجريمة، وصامدة في وجه الإبادة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة