نتنياهو لا يريد الصفقة… وترامب جزء من الخداع

بقلم: مصطفى إبراهيم

مصطفى ابراهيم.jpg

بقلم مصطفى إبراهيم / تضج وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير متناقضة عن “تقدم” في صفقة التبادل كما حدث الاسبوع الماضي، أو عن “احتلال وشيك لغزة”، تتكشف خيوط خديعة يديرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هدفها إطالة أمد الحرب وكسب الوقت سياسياً، لا السعي الحقيقي إلى اتفاق.

ورغم التسريبات المتكررة عن عملية عسكرية في غزة، وقرارات بإدخال بعض المواد الغذائية عبر التجار، يتضح أن ما يجري ليس أكثر من تضليل وخداع وإدارة للرأي العام الإسرائيلي والدولي الصامت، في ظل تزايد الشائعات عن الخلافات بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية. فبينما يدفع اليمين المتطرف نحو احتلال كامل للقطاع وتهجير سكانه، يفضل الجيش مقاربة أكثر حذراً. ومع ذلك، أعلن نتنياهو عن نية “توسيع الحرب لتحرير الأسرى والقضاء على حماس”، في لغة تعبوية تخفي تهربه من التفاوض.

ونقلت وسائل إعلام اسرائيلية عن مسؤول كبير في مكتب نتنياهو أن “القرار اتُّخذ باحتلال غزة”، وأن رئيس الأركان إيال زامير “إن لم يناسبه ذلك، فليستقل”، في تهديد غير مسبوق للجيش. وفي موازاة هذا التهديد، قررت الحكومة تفعيل آلية جديدة تسمح بدخول البضائع إلى غزة عبر التجار وبالدفع البنكي فقط، في محاولة لتقليص الاعتماد على المنظمات الدولية، ما يكشف البعد السياسي والاقتصادي في معركة الإبقاء على الحصار.

نتنياهو يبرر تعنته بفشل المفاوضات، ويتحدث عن “قساوة حماس بحق الأسرى”، لكن لا يمكن فصل هذه التطورات عن السياق الأوسع. ففي يناير، تم إعلان وقف إطلاق نار بوساطة أميركية، لكن إسرائيل خرقت الاتفاق في فبراير، ورفضت الدخول في المرحلة الثانية من صفقة التبادل. وفي مارس، أعادت الحكومة إطلاق الحرب، ما فجّر المسار التفاوضي مجددًا، وأدى إلى مجازر جديدة، قُتل خلالها المئات، وتوسعت بعدها العمليات لتشمل مناطق جديدة، سقط فيها الآلاف من الفلسطينيين، وتم تهجير غالبية سكان شمال وشرق القطاع إلى وسط مدينة غزة.

في الوقت ذاته، فشلت محاولة الجيش الإسرائيلي لتوزيع المساعدات عبر “صندوق أميركي”، إذ كانت الشحنات محدودة، ووقع مئات الضحايا خلال محاولاتهم الوصول إليها، برصاص القوات الإسرائيلية.

أما الإعلام الإسرائيلي، فقد لعب دوراً محورياً في التغطية على الواقع. بتقارير يومية عن “تقدم في الصفقة”، جرى تضليل عائلات الأسرى والرأي العام، بينما المفاوضات مجمدة والفجوة بين الطرفين تزداد. يبدو أن الهدف هو حماية النخبة السياسية من غضب الشارع، خصوصاً مع إدراك نتنياهو أن أي صفقة حقيقية ستُنسب إلى حماس، وستُفهم كفشل له ولحكومته.

في هذا السياق، يُعاد طرح دور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فرغم ما يملكه من نفوذ وتأثير على نتنياهو، اختار التماهي مع خديعته بدلاً من الضغط عليه. وكما روّج في السابق لمشاريع وهمية مثل “الريفييرا في غزة”، يكرر اليوم دوره في تبييض وجه الاحتلال وشرعنة سياساته.

حتى الوفود الإسرائيلية التي أُرسلت إلى الدوحة لم تكن تحمل نية تفاوضية، بل كانت مجرد عروض إعلامية لشراء الوقت. أما وسائل الإعلام الاسرائيلية، فقد تبنّت الرواية الرسمية بالكامل، وتحولت إلى أداة في مسرح الخداع.

والنتيجة: صفقة تبادل بعيدة المنال، وحرب إبادة مستمرة، وجوع وعطش ينهش سكان القطاع. الإنزالات الجوية لا تصل، والمساعدات لا تكفي، بينما ينتظر مئات آلاف الفلسطينيين أوامر جديدة بالنزوح وسط صمت دولي، بل وتواطؤ عربي، لا تغيره إدانات خجولة ولا بيانات التضامن.

نتنياهو لا يريد الصفقة، بل يريد الحرب. وترامب لا يواجه الخداع، بل هو جزء منه.