الاحتلال يدمّر مقومات الحياة في غزة: تفشّي الأوبئة وسوء التغذية ونقص الوقود يفاقم الكارثة الصحية

المجاعة في غزة (4).jpeg

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف البنية التحتية الحيوية في قطاع غزة بصورة منهجية، طالت مرافق البلديات والمستشفيات ومصادر الغذاء والمياه، بالتوازي مع أوامر نزوح متكررة دفعت المدنيين للتكدّس في مساحات ضيقة داخل مراكز الإيواء والخيام. ومع غياب منظومات جمع النفايات ومعالجتها، تراكمت أكوام القمامة حول تجمعات النازحين، ما وفّر بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية وتكاثر الحشرات والقوارض، في ظلّ أوضاع معيشية غير إنسانية.

وقود ممنوع ومستشفيات شبه معطّلة

تمنع إسرائيل دخول الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات وآبار المياه ومعدات البلديات، ما عمّق الانهيار الصحي والبيئي. وتسبّب تعطل شبكات الصرف الصحي وتسرّب الملوّثات في تلوّث التربة والمياه الجوفية، فيما أدى الحرق العشوائي للنفايات إلى تلوّث الهواء وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الجلدية والمعدية، وبينها التهاب الكبد الوبائي، وفق إفادات طبية محلية.

ظهور حالات شلل نادرة… وتحذير من متلازمة “غيلان باريه”

أبلغت وزارة الصحة عن تسجيل 3 وفيات بمتلازمة غيلان باريه، و95 حالة إصابة بينها 45 طفلًا دون 15 عامًا. ويقول د. أحمد الفرا، مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي، إن طاقمه لاحظ منذ نحو شهرين “موجة من الشلل الارتخائي المتصاعد تبدأ بأعراض هضمية أو تنفسية خفيفة ثم تتطور سريعًا إلى عجز عن الوقوف والجلوس وصعوبات بلع وتنفس، وصولًا إلى شلل تام”. ويُرجع الفرا تصاعد الحالات إلى تلوّث مياه الشرب باختلاطها بمياه الصرف الصحي، وضعف المناعة ونقص الفيتامينات وغياب الأدوية الفعّالة لعلاج هذا الاضطراب العصبي [1].

مجاعة ممتدة وسوء تغذية يهددان حياة الأطفال

يفاقم الحصار المشدّد والانقطاع شبه التام للإمدادات الغذائية أزمة المجاعة في القطاع، حيث ارتفع عدد ضحايا سوء التغذية إلى 239 شهيدًا بينهم 106 أطفال، بحسب وزارة الصحة [2]. وتشير التقديرات إلى وجود 40 ألف رضيع دون عام يعانون من سوء تغذية يهدد الحياة، و250 ألف طفل دون الخامسة يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء، فيما يعيش 1.2 مليون طفل دون الثامنة عشرة حالة انعدام أمن غذائي حاد [3]. هذه المؤشرات تعكس انهيار سلاسل الإمداد الغذائي وتقييد وصول المساعدات، وتُترجَم مباشرةً إلى ارتفاع معدلات الاعتلال والوفيات بين الفئات الأكثر هشاشة.

نظافة شخصية في حدّها الأدنى… و”أوتشا” تحذّر

أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن أكثر من 40% من الأسر في غزة تفتقر إلى الصابون داخل منازلها، في وقت ترتفع فيه تكلفة مستلزمات النظافة الأساسية على نحو متواصل. ويؤكد المكتب الحاجة إلى كميات كبيرة من الصابون وأوعية المياه لدعم ممارسات النظافة ومنع مزيد من التدهور في الوضع الصحي العام [4]. وفي السياق نفسه، يقول مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة إن “الأدوية مفقودة، ولا تتوافر مستلزمات لمعالجة الجرحى والمرضى”، لافتًا إلى ظهور بكتيريا شديدة الضراوة في الجروح تؤدي إلى الوفاة أو البتر، وإلى زيادة ملحوظة في الشلل الرخو والتهاب السحايا والأمراض الجلدية بفعل الحرّ وشحّ المياه وأدوات النظافة [5]. وقد أعلنت الأمم المتحدة تسجيل 452 حالة مشتبه بها لالتهاب السحايا خلال يوليو/تموز وبدايات أغسطس/آب—وهو أعلى رقم منذ بدء التصعيد.

إجراءات الإخلاء تزيد العدوى وتعرقل الإغاثة

تشكّل أوامر الإخلاء المتكررة عاملاً جوهريًا في تفاقم الأمراض؛ فحشر السكان في مناطق مكتظة يضاعف سرعة انتقال العدوى ويعيق سلاسل الإمداد الصحي. ويقول ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، د. ريك بيبركورن، إن النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات “تفاقم”، حيث وصل مخزون 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر، فضلًا عن أن أوامر الإخلاء وضعت مستودع منظمة الصحة العالمية في مدينة غزة داخل منطقة إخلاء، ما يعطّل عمل الإمداد الطبي [6].

حقوقيون: سياسة تجويع وتعطيش ممنهجة

دان مركز الميزان لحقوق الإنسان استمرار جرائم الاحتلال في سياق ما وصفه بـ”حرب إبادة جماعية”، بما في ذلك الحصار ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والمساعدات الإنسانية. ويرى المركز أن الظروف المعيشية والصحية القاسية—من تكريس الجوع والعطش إلى تفشي الأمراض مع نقص الدواء—تعكس نهجًا متعمدًا لتثبيت الكارثة الإنسانية، وإفقاد غزة مقومات الحياة عبر شلّ الخدمات الأساسية: الماء والصرف الصحي وجمع النفايات والكهرباء.

خلاصة وتبعات ديموغرافية وصحية

يُظهِر المشهد الراهن في غزة تراكب ثلاث أزمات: استهداف البنية التحتية، وانهيار المنظومة الصحية والبيئية، ومجاعة ممتدة. النتيجة المباشرة هي زيادة معدلات المرض والوفاة، خاصة بين الأطفال والرضّع، وظهور أمراض نادرة مثل غيلان باريه بوتيرة غير مسبوقة. وعلى المدى المتوسط، يقود انهيار الخدمات الأساسية وتلوّث الماء والهواء إلى ارتفاع أمراض معوية وتنفسية وجلدية، فيما يعمّق سوء التغذية ضعف المناعة ويرفع كلفة الاستجابة الصحية، ويهدّد التركيب السكاني بأثر طويل الأمد.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة