الغارة الإسرائيلية على الدوحة… قطر تحتفظ بحق الرد وترمب يبرّئ نفسه والعالم يدين التصعيد

المبنى الذي استهدفته الغارات الإسرائيلية في العاصمة القطرية الدوحة (رويترز).webp

شهدت العاصمة القطرية الدوحة مساء الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، حدثاً غير مسبوق في تاريخ المنطقة، بعد أن نفذت إسرائيل غارة جوية مركزة استهدفت اجتماعاً لوفد حركة حماس المفاوض داخل منزل قيادي بالحركة، بينما كان يناقش مقترح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بشأن وقف إطلاق النار في غزة. العملية، التي وُصفت بأنها "ضربة جراحية دقيقة"، خلّفت خمسة شهداء من كوادر الحركة، بينهم همام الحية نجل عضو المكتب السياسي خليل الحية، ومدير مكتبه جهاد لبد، إضافة إلى عنصر من قوات الأمن الداخلي القطري وإصابة آخرين.

أحدثت العملية صدمة سياسية وأمنية كبرى، ليس فقط لكونها جرت على أراضي دولة قطر، بل لأنها استهدفت وفداً تفاوضياً رسمياً، في وقت كانت الدوحة والقاهرة تبذلان جهوداً حثيثة للوساطة بين حماس وإسرائيل للوصول إلى اتفاق شامل.

تفاصيل العملية الإسرائيلية

قال الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي مشترك مع جهاز الأمن العام (الشاباك) إن العملية شاركت فيها 15 مقاتلة، واستخدمت ذخيرة دقيقة، في استهداف ما وصفه بـ"الصف الأول من قيادة حماس". وأكد البيان أن المستهدفين "قادوا أنشطة التنظيم لسنوات وكانوا مسؤولين عن مجزرة 7 أكتوبر وإدارة الحرب ضد إسرائيل".

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر أن العملية نفذت "بدقة تثير الإعجاب"، مؤكداً أنه "لا حصانة لأي شخص أو أي مكان"، في إشارة إلى أن قادة حماس ليسوا بمنأى عن الاغتيال حتى خارج غزة. كما أضاف لاحقاً أن هذه الضربة قد "تفتح الباب لإنهاء الحرب في غزة"، ملمحاً إلى أن تل أبيب مستعدة للقبول بمقترح ترامب للوساطة.

وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أن خطة اغتيال قادة حماس في الخارج كانت جاهزة منذ نحو عام، وأن المخابرات استغلت "فرصة استخبارية نادرة" تمثلت باجتماع عدد من القيادات في مكان واحد داخل الدوحة.

الموقف القطري

قطر من جانبها، دانت الهجوم بأشد العبارات. رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أكد في مؤتمر صحفي أن الدوحة "تحتفظ بحق الرد" على ما وصفه بـ"الاعتداء السافر والغادر"، مؤكداً أن بلاده "لن تتهاون مع أي مساس بسيادتها". وأضاف أن الهجوم مثّل "لحظة مفصلية في الشرق الأوسط"، مشدداً على أن قطر ستواصل القيام بدورها في الوساطة رغم الاستهداف.

وزارة الداخلية القطرية نعت عنصر أمن من قوات "لخويا" قُتل في الهجوم، وأعلنت إصابة آخرين، في مؤشر على أن العملية لم تستهدف فقط شخصيات من حماس، بل طالت أيضاً السيادة القطرية بشكل مباشر.

الموقف الأميركي

البيت الأبيض أصدر بياناً وصف فيه الهجوم بأنه "لا يخدم المصالح الإسرائيلية ولا الأميركية". وأوضح أن إسرائيل أبلغت وزارة الدفاع الأميركية مسبقاً بالعملية، لكن الرئيس دونالد ترمب لم يوافق على مكان الاستهداف. وأضاف البيان أن ترمب أجرى اتصالاً هاتفياً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، شدد فيه على أن "مثل هذا الأمر لن يتكرر مجدداً على أراضيها".

ترمب نفسه قال لاحقاً إنه "ليس سعيداً بالغارة الإسرائيلية"، مؤكداً أن القرار اتخذ بشكل منفرد من قبل نتنياهو، وأنه وجّه مبعوثه ستيف ويتكوف لإبلاغ القطريين بالهجوم، لكن "بعد فوات الأوان".

هذا الموقف عكس ارتباكاً أميركياً واضحاً بين السعي لحماية صورة واشنطن كوسيط وبين رغبتها في عدم خسارة الحليف الإسرائيلي.

ردود الفعل العربية والدولية

الهجوم أثار موجة واسعة من الإدانات:

السعودية أكدت تضامنها الكامل مع قطر واستعدادها لتسخير إمكاناتها كافة دعماً لها.

مصر أدانت "العدوان السافر" على الدوحة، وقال وزير خارجيتها بدر عبد العاطي إن "أمن قطر جزء من الأمن القومي العربي، والمساس به لا يمكن التغاضي عنه".

الجزائر طلبت عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي لبحث الهجوم.

جامعة الدول العربية أدانت القصف "الغاشم"، معتبرة أنه "انتهاك جسيم لسيادة دولة عربية وتصعيد خطير يهدد السلم الدولي".

الاتحاد الأوروبي أعرب عن تضامنه مع قطر، ودعا إلى تجنب التصعيد، مشيراً إلى أن الهجوم "يُنذر بمزيد من العنف في المنطقة".

ألمانيا وصفت الهجوم بأنه "غير مقبول"، وقال المستشار الألماني ميرتس إن "انتهاك سيادة قطر أمر لا يمكن القبول به".

إيطاليا أكدت رفضها لأي تصعيد، مشيرة إلى أن الضربة أصابت دولة صديقة تعمل منذ أشهر على الوساطة.

كندا اعتبرت الهجوم "توسيعاً غير مقبول للعنف"، فيما شدد رئيس وزرائها على أن مثل هذه العمليات تعرض جهود وقف إطلاق النار للخطر.

هذه المواقف، إلى جانب الموقف القطري، رسمت صورة لإجماع دولي غير مسبوق على إدانة إسرائيل بسبب انتهاكها سيادة دولة تلعب دور الوسيط.

انعكاسات اقتصادية

الغارة لم تقتصر تداعياتها على الجانب السياسي؛ إذ شهدت أسواق النفط ارتفاعاً ملحوظاً عقب العملية، في ظل المخاوف من اتساع رقعة الصراع إلى منطقة الخليج الغنية بالطاقة. المحللون أشاروا إلى أن استهداف الدوحة، التي تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط وتلعب دوراً محورياً في الطاقة العالمية، قد يفتح الباب لمخاطر اقتصادية وأمنية أوسع.

حماس: محاولة اغتيال فاشلة

من جانبها، أكدت حركة حماس في بيان رسمي أن قادتها نجوا من محاولة الاغتيال، لكنها نعت خمسة من عناصرها بينهم نجل خليل الحية ومدير مكتبه. الحركة اعتبرت أن العملية "تؤكد أن إسرائيل لا تريد أي اتفاق وتسعى لإفشال الوساطة الدولية"، محمّلة نتنياهو وحكومته المسؤولية الكاملة عن إجهاض المساعي السياسية.

الحركة شددت أيضاً على أن استهداف وفدها المفاوض "لن يغير من مواقفها ومطالبها"، وفي مقدمتها: وقف العدوان، انسحاب قوات الاحتلال من غزة، تبادل أسرى حقيقي، وبدء عملية إعادة الإعمار.

مجلس الأمن والأمم المتحدة

المطالبات العربية والدولية دفعت إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، بدعوة من الجزائر، لبحث الهجوم الإسرائيلي. مصادر دبلوماسية أكدت أن الجلسة ستشهد "مواجهة دبلوماسية حادة" بين الدول الغربية التي تحاول التوازن بين حماية إسرائيل وانتقادها، والدول العربية والإسلامية التي ترى في الهجوم اعتداءً مباشراً على دولة ذات سيادة.

الأمم المتحدة بدورها حذرت من "تداعيات خطيرة" قد تنجم عن الهجوم، مؤكدة أن أي استهداف لدولة وسيطة يقوّض فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.

تحليلات ومآلات

الهجوم على الدوحة يمثل سابقة خطيرة في الصراع العربي–الإسرائيلي، حيث نقلت إسرائيل معركتها إلى دولة خليجية تلعب دوراً مركزياً في الوساطة.

المحللون يرون أن نتنياهو يسعى من خلال هذه العملية إلى: تصفية قيادات حماس وإضعاف قدرتها التفاوضية، توجيه رسالة ردع مفادها أن لا أحد بمنأى عن الضربات الإسرائيلية. إحراج قطر وتقويض دورها كوسيط، بما يفتح الباب لتراجع الجهود الدولية.

تحويل الأنظار داخلياً عن الأزمات السياسية في إسرائيل.

في المقابل، يرى آخرون أن العملية قد ترتد سلباً على إسرائيل، إذ عززت التعاطف الدولي مع قطر، وأضعفت صورة إسرائيل كدولة ملتزمة بالقانون الدولي، كما أنها زادت من تعقيد موقف واشنطن التي تحاول التوازن بين حماية إسرائيل وضمان استمرار الوساطة القطرية.الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يعكس مرحلة جديدة وخطيرة من التصعيد، حيث لم يعد الصراع محصوراً بغزة، بل امتد إلى قلب دولة خليجية ذات ثقل سياسي واقتصادي. وبينما تصر قطر على الاحتفاظ بحق الرد والاستمرار في دور الوساطة، يجد نتنياهو نفسه أمام انتقادات دولية غير مسبوقة، فيما يحاول ترامب الموازنة بين تحالفاته وتجنب تحميل إدارته مسؤولية مباشرة.

المشهد الإقليمي يبدو مفتوحاً على احتمالات أكثر خطورة: تصعيد عسكري أوسع يطال المنطقة، أو فرصة لفرض ضغوط دولية حقيقية قد تعجل بوقف الحرب. لكن المؤكد أن الغارة على الدوحة ستبقى حدثاً فاصلاً يعيد رسم معادلات الصراع في الشرق الأوسط.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة