يواجه مرضى السرطان في قطاع غزة أوضاعاً صحية متدهورة على نحو غير مسبوق، نتيجة تعطل منظومة الرعاية بفعل تدمير منشآت طبية ونقص حاد في الأدوية والوقود وتعذّر السفر للعلاج خارج القطاع. وتقول وزارة الصحة إن أكثر من 13 ألف مريض سرطان في غزة، بينهم 4200 سيدة و750 طفلة، فيما تُسجَّل نحو 200 إصابة جديدة شهرياً، ويحتاج نحو 5000 منهم لتحويلات عاجلة خارجية للتشخيص أو للعلاج الكيميائي والإشعاعي.
إغلاق مراكز رئيسية وتآكل البنية التحتية
تعرّض مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني—المركز الوحيد المتخصص لعلاج الأورام في غزة—للتدمير أواخر عام 2023، تلاه إغلاق مستشفى غزة الأوروبي منتصف مايو الماضي بعد سيطرة القوات الإسرائيلية عليه، وهو ما عطّل مركز الإحالة الرئيسي لمرضى الأورام في جنوب القطاع. كما قيّد الحصار وصول الأدوية والمستهلكات والوقود، ما أثر مباشرة في تشغيل الأجهزة الطبية وخدمات التشخيص والعلاج.
فجوات دوائية وتشخيصية
قال الدكتور محمد أبو ندى، المدير الطبي لمركز غزة للسرطان، إن أكثر من 70% من أدوية السرطان مفقودة أو أرصدتها صفريّة، محذّراً من أن انقطاع الدواء وتكرار النزوح والقصف وتعطل الإمداد الكهربائي والوقود يفضي إلى تراجع فرص الشفاء. وأضاف أن أجهزة التشخيص المتقدمة—مثل التصوير النووي وبعض أجهزة الإشعاع والفحوص الجينية—غير متاحة باستمرار أو متوقفة، ما يؤخر التشخيص ويقلص جودة الرعاية.
سرطان الثدي والحرمان من الفحص المبكر
تشير البيانات إلى أن سرطان الثدي يشكّل نحو 30% من إصابات السرطان بين النساء، بمعدل 29 حالة لكل 100 ألف سيدة. وتُحرم كثير من المريضات من برامج الفحص المبكر والمتابعة التخصصية نتيجة توقف الخدمات ونقص الأدوية والمستهلكات، ما يفاقم المخاطر الصحية والنفسية.
سوء تغذية ووفيات متزايدة
تفاقم سوء التغذية—خصوصاً بين النساء والأطفال—من هشاشة المرضى. وسُجلت 459 وفاة مرتبطة بسوء التغذية، بينها 154 طفلاً، فيما وثّق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) منذ إعلانه المجاعة في غزة في أغسطس من العام الجاري 181 وفاة إضافية، بينها 39 طفلاً، ما يضيف عبئاً مضاعفاً على المصابات والمصابين بالأورام.
تعثّر الإجلاء الطبي وإغلاق المعابر
يقول أبو ندى إن أكثر من 10 آلاف مريض يحتاجون للعلاج خارج غزة؛ جرت الموافقة على تحويل نحو 4500 منهم، لكن قرابة 2000 فقط تمكنوا من المغادرة فعلياً بسبب إغلاق المعابر ورفض التصاريح، فيما تُتوفى حالات خلال فترات الانتظار.
وفي تصريح لمدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فإن إغلاق معبر رفح في مايو من العام الماضي نقل مسؤولية تنسيق الإجلاء الطبي إلى المنظمة، التي أفادت بأن نحو 15,600 مريض—بينهم 3,800 طفل—ما يزالون على قوائم الانتظار، وأن عمليات الإجلاء تُجرى مرة واحدة أسبوعياً حالياً.
شهادات إنسانية
يروي والد طفلة (3 سنوات) مصابة بورم دماغي أنه لا يتوفر لها علاج داخل غزة، وأن الأسرة تعيش في خيمة بمنطقة مواصي خان يونس بلا مقومات حياة، رغم امتلاكها تحويلة طبية منذ أكثر من عام. كما تروي سيدة مريضة بالسرطان من القطاع أنها تنقلت بين نزوحين وعاشت في خيمة لفترات طويلة، وسط ظروف قاسية من حرارة وبرد وحشرات وقوارض، ما فاقم معاناتها الصحية والنفسية.
دعوات حقوقية وتحركات مطلوبة
أدان مركز الميزان لحقوق الإنسان استمرار العمليات العسكرية ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية واستهداف المنشآت والطواقم الصحية، معتبراً أن ذلك يمسّ الحق في الصحة والحصول على العلاج. وطالب المجتمع الدولي بـوقف الأعمال القتالية بشكل دائم، ورفع الحصار، وتسهيل سفر المرضى وإدخال الأدوية والمستهلكات والطواقم والوفود الطبية، وإعادة تأهيل المستشفيات والبنى الأساسية كالمياه والصرف الصحي والكهرباء.