أبو مرزوق ونهايات طرق..!

بقلم: أكرم عطا الله

أكرم عطاللة.jpg

أكرم عطا الله / كل من شاهد مقابلة عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، الدكتور موسى أبو مرزوق، على قناة «الغد» الفضائية، يدرك بلا شك أن رصيد الحركة من الذخيرة الإعلامية قد نفد، وأن الرواية حاولت على مدار سنتين مصاحبة وتبرير كل هذا الخراب، واستيلاد انتصارات من وسط هزائم كان يعبر عنها وصول الدبابات لكل مناطق القطاع، وانتهى الأمر باتفاق يتبجح فيه نتنياهو بأنه تمكن من استعادة كل الأسرى مع الاحتفاظ بأكثر من نصف أراضي القطاع. هذا الاتفاق الذي يعكس موازين القوى في هذه الحرب المجنونة والذي لم تدركه مبكراً حركة «حماس» في حالة إنكار للواقع.

المسألة لا تتعلق بأبو مرزوق بقدر ما تتعلق بوصول ظاهرة اجتماعية سياسية لمحطتها الأخيرة، وهي تسير مثقلة بإرث الخراب الذي تسبّبته سياسة لم تكن عميقة، وهي تحاول أن تميز نفسها عن غيرها دون أن تدرك أن حركة التاريخ عبارة عن مسار لا يحدده الأفراد والجماعات دوماً، مستسهلة إدارة الشعوب وتحرير الأوطان بضربة حظ، بعيداً عن حسابات الرصانة السياسية ومغامرات الكفاح المحسوبة بالورقة والقلم وليس المغامرات الانتحارية، وسنظل نسأل: لماذا تسببوا لنا بكل هذا الخراب؟ لماذا أعادوا استدعاء الجيش الإسرائيلي لاحتلال غزة؟ لماذا تسببوا لنا بفقد أكثر من نحب؟ لماذا تسببوا بتدمير بيوتنا وكل غزة؟ وهي أسئلة تعيد سؤالاً كان يقتصر على القليل من المثقفين حول جدارة القوى الدينية بحكم الشعوب، لكنه الآن يتم تعميمه على الجميع، وهو الذي يجعل أبو مرزوق ورفاقه يظهرون بهذا التلعثم أمام أي سؤال، وينهي مقابلة من عاديات المقابلات.

ليس لقناة «الغد» الفضائية أي موقف من حركة «حماس»، وقد توفرت لي فرصة في بداية الحرب لأن ألامس السياسة التحريرية عن قرب، بل وربما تعرضَّت القناة لملاحظات الكثير ممن ظنوا أنها تنحاز لحركة «حماس»، كانت السياسة التحريرية، التي يديرها فلسطينيون مهنيون حرصوا على حيادية وطنية، ألا تسقط في فخ التهوين أو فخ التهويل، وقد سارت على هذا الخيط الرفيع، كانت التعليمات التي رأيت هي الانتصار للرواية الوطنية ولهموم الغزيين ومأساتهم اليومية كشعب يتعرض لإبادة لم تمر عبر التاريخ. كان الغاضبون على حركة «حماس» هم الأكثر انتقاداً لـ»الغد»، لا أكتب ذلك لأن الرجل الذي تلعثم في الإجابة عن أسئلة المذيع القدير حازم الزميلي كان ضعيفاً إلى هذا الحد، بل بات واضحاً أنه لا أحد من حركة «حماس» بات قادراً على مواجهة أبسط الأسئلة؛ لأن الرواية لم تتصدع فقط بل انهارت، ولا يزال قادة الحركة ومريدوها مصرين على عدم التراجع رغم فداحة النتيجة.

من الاستقلال للوصاية أو الانتداب، تلك هي الخلاصة المريرة لتجربة ظاهرة سياسية دينية استخفت بكل من عمل قبلها في الحقل السياسي والعمل السياسي والعلاقات الدولية والمفاوضات وكل شيء، كل هذا أنتج لديها ثقافة مختلفة سطحية بدائية لم تطّلع أو تهتم بمعرفة أسس السياسة وتعقيداتها ومساراتها المتعرجة وحفر شوارعها ومنحنياتها وجبالها ووديانها، لتنتهي كحالة مدعاة للشفقة ظهر عليها رئيس سابق لمكتب سياسي بهذا التلعثم، يهاجم مذيعاً يسأله سؤالاً بسيطاً لم تكن تتطلب إجابته سوى سطرين، لكن هذا بات ينطبق على كل مسؤولي «حماس» دون أن يدركوا أن الطرق تصل لنهاياتها، وأن وقود الرحلة يشعل الضوء الأحمر، وأن مخزون السردية شارف على الإفلاس. ولم يبق ما يقال لمن لا يزال يصر على رؤية كل هذا الخراب ويدافع عن حدث رغم براءته الوطنية، إلا أنه انتهى بكل هذا الخراب وبوجود إسرائيل في غزة بعد أن كانت تفاخر الحركة بطردها لإسرائيل مطلع القرن، وهو الوقود الذي حملها للفوز في الانتخابات التي جرت عام 2006 قبل أن تجردها عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من هذا الشعار، الذي صدقته حينها وروّجته دون أن تقبل أي رواية أخرى، ودون أن تدرك أنه قرار نابع من الرغبة بإنزال جزء من الحمولة الديموغرافية عن أكتاف حكم إسرائيل، ولضمان فصل غزة عن الضفة، وقطع الطريق على الحل، لكنها أبسط سياسياً من تفسير كل تلك التعقيدات، بل تركت التفكير بهذا الواقع لتذهب للخيال وتقيم مؤتمراً لتوزيع ممكنات إسرائيل على الشعب الفلسطيني.

لم نصحُ بعد من صدمة الحدث؟ كيف لقوة سياسية أن تذهب لهذا الحد في مغامرة تسلّمت فيها غزة مدينة ساحلية حيّة لتسلمنا إياها كومة من الركام، تسلمتها بلا أي جندي إسرائيلي، وتسلمنا غزة بوجود جيش الاحتلال، ومن غير الواضح بعد النسبة التي سيبقى فيها لسنوات وعقود. ولم تعترف الحركة بعد، وتغضب كما رئيس مكتبها السياسي السابق إذا ما تلقّت أي ملاحظة انتقادية، وتهاجم مذيعاً أو كاتباً أو ناشطاً وتطلق ما لديها من جيوش إلكترونية - مستعينة بحركة الإخوان المسلمين - ينتشرون على الصفحات، مهاجمين بلغة أبعد ما تكون عن تربية المساجد، بل وتطرح سؤالاً شديد الخطورة تكون هذه لغتها في محاولة لكتابة التاريخ برؤية تصر على معاندته، والقول إن الأيديولوجيا تصلح لعمل السياسة رغم جرأة الواقع حد الوقاحة بالتعبير عن وضوحه... يا إلهي!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت