تنفيذ خطة ترامب في غزة بين شدٍّ وجذب: خلافات إسرائيلية، غموض بنود، وضغط انتخابي يربك المسار

مفاوضات وقف الطلاق النار.jpg

مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر صفقة تبادل أطلقت فيها حماس 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء وأربعة جثامين مقابل إفراج إسرائيل عن 1968 أسيرًا فلسطينيًا، تتكشّف في إسرائيل سيناريوهات متناقضة حيال الخطوات اللاحقة، بين الدعوة إلى ردود عسكرية فورية على أي خرق وبين نهجٍ أكثر تحفّظًا وتقديرًا للموقف.

داخل المؤسسة الأمنية، برز تباين واضح: قائد القيادة الجنوبية في الجيش، يانيف عاسور، بحث مع قادة الألوية في غزة تنفيذ ردّ “فوري وفتّاك” على أي تهديد داهم أو نشاط مُريب يعرّض القوات للخطر، فيما شددت مصادر أمنية أخرى على أن القرارات ينبغي أن تُتّخذ حالةً بحالة بعد تقييم موقف وتُرفع لمصادقة وزير الأمن يسرائيل كاتس. وبموازاة السجال الإجرائي، تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن حماس تواجه صعوبات في العثور على بعض الجثامين، وتستخدم الحرب النفسية في ملفات أخرى؛ ورغم الضغط عبر الوسطاء، قد تبقى أجزاء من هذا الملف عصيةً على الحسم لفترة طويلة.

سياسيًا، قدّم ترامب في كلمته بالكنيست مقاربة تعتبر أن الحرب انتهت وأن على إسرائيل جني “ثمار” دبلوماسية عبر تطبيع أوسع مع دول عربية وربما إسلامية بعيدة كإندونيسيا، مؤكّدًا في الوقت نفسه دعمه غير المحدود لإسرائيل وعلاقته الشخصية برئيس حكومتها بنيامين نتنياهو. غير أن محللين يرون أن العمل الشاق يبدأ الآن: إذ لا تزال إسرائيل وحماس منقسمتين بعمق حول نزع سلاح الحركة ودورها في إدارة غزة مستقبلًا، فيما يُنتظر أن تدخل إسرائيل عامًا انتخابيًا قد يدفع نتنياهو إلى إعادة حساباته للحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني.

ويصف خبراء غموض الوثيقة التي تشكّل جوهر الخطة بأنه قوةٌ وضعفٌ في آن: فقد أتاح الغموض توقيع الاتفاق لكنه ترك تفاصيل حسّاسة—من الأمن إلى الحوكمة—معلّقة لمرحلة لاحقة. كما يرى باحثون أن فعالية الضغط العربي على حماس ستتأثر بخطاب السياسة الإسرائيلية: فإدراج إمكانية دولة فلسطينية مستقبلًا كان ضروريًا لاكتساب دعم عربي، لكن حملة رفضٍ إسرائيلية صريحة لهذا الخيار قد تقلّص حماسة العواصم العربية لأدوارٍ مطلوبة منها في المراحل المقبلة.

في الخلفية، يملك ترامب أوراق نفوذ على نتنياهو بفعل شعبيته في إسرائيل وسجله في قضايا مفصلية (كالقدس والجولان)، وقد لوّح في الآونة الأخيرة بقدر أكبر من الصرامة—وفق تقديرات أمريكية—للدفع باتجاه توقيع الخطة ذات البنود العشرين، وهو ما تجلّى أيضًا في خطاب ساخِر تجاه نتنياهو في الكنيست يوحي بأن الرئيس الأميركي لا يشعر بالحاجة إلى مجاملة خاصة.

داخليًا، يُحذّر محللون من أن تباطؤ مسار نزع السلاح قد يطلق ضغوطًا من الأحزاب اليمينية المتشددة لاستئناف العمليات العسكرية، بما ينسف عمليًا مسار الخطة. وقد قال نواب من التيار الديني الصهيوني إنهم لن يقبلوا “بانتصار جزئي” إذا بقيت حماس تعلن نيتها الاحتفاظ بدور في غزة. وفي المقابل، تعتبر أوساط عربية أن الاستقرار الإقليمي مشروطٌ بتقدّمٍ متوازٍ في الانسحاب، والإغاثة، والإعمار، وترتيبات الأمن، وبخطابٍ إسرائيلي لا يُغلق نهائيًا باب الحلّ السياسي.

بين تباين عسكري على الأرض وحسابات انتخابية في إسرائيل وغموض دبلوماسي بنيوي، تمضي خطة ترامب في مسار مليء بالعُقد: نجاحها يتوقف على تفكيك الخلافات المتراكبة—من الجثامين ونزع السلاح ودور حماس، إلى شكل الحكم في “اليوم التالي”—وعلى قدرة الوسطاء على تحويل الهدنة الهشّة إلى اندفاعةٍ سياسية تمنع ارتداد المسار إلى مربع المواجهة.