غضبٌ شعبيٌّ من سوءِ جودةِ الخبزِ المدعومِ في غزة… و«برنامجُ الأغذيةِ العالمي» يشدّدُ الرقابةَ

خبز غزة

تصاعدت في قطاع غزة موجةُ انتقاداتٍ حادّة لخبزٍ يُنتَج في بعض المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي (WFP)، إذ يرى مواطنون أن الرغيف «لا يصلح للاستهلاك الآدمي» وأن تقديمه بهذه الصورة «إهانة لا مساعدة». وتتقاطع آراء كثيرين حول أن آلية ترشيح المخابز ومتابعتها تحتاج إلى مراجعةٍ عاجلة، تشمل معرفة مَن يرشّح هذه المخابز وكيف تُراقَب الجودة، وما إذا كانت هناك قنوات لاستقبال ملاحظات المستفيدين الذين «يدفعون ثمنًا مقابل خبزٍ لا يلبّي الحدَّ الأدنى».

568198947_1121044656891390_8578653398333630168_n.jpg
صورة من أحد المواطنين للخبز في غزة

وعبّر العديد من المواطنين عن شكاواهم من أنّ الخبز الذي يُعدّ في هذه المخابز ليس مشكلةً طارئة في دُفعةٍ أو دُفعتين بقدر ما هو خللٌ منهجي في سلسلة الإمداد والرقابة؛ إذ يلوم مواطنون اختياراتٍ تشغيلية غير مفهومة تسمح—بحسب تعبيرهم—بخروج رغيف «من أسوأ ما يمكن تقديمه للبشر»، على الرغم من توافر مواد خام «عالية الجودة». ويطالب المواطنون بإعلانٍ رسمي من البرنامج يشرح أسس التعاقد مع المخابز، ومعايير القبول والاستبعاد، وجدول اختبارات الجودة، وكيف تُعالَج الشكاوى المتكررة بشأن الوزن والقوام والطعم ووقت الوصول إلى المستفيدين.

من جهته، قال الناشط الحقوقي خليل أبو شمال، عبر صفحته على «فيسبوك»، إن «منظمة الغذاء العالمي ترتكب جريمة بحقّ المواطنين في غزة من خلال تقديمها الدقيق والوقود لبعض المخابز التي لا تراعي الحد الأدنى من الجودة، وتنتج خبزًا من أسوأ ما يمكن أن يُقدَّم للبشر»، داعيًا برنامج الأغذية العالمي إلى إجراء تحقيقٍ في الآلية التي يتمّ بموجبها ترشيح هذه المخابز، ومن يرشّحها، وما إذا كانت هناك متابعةٌ وتقييمٌ واستماعٌ إلى المواطنين حول جودة الخبز الذي يدفعون ثمنه، مؤكِّدًا أن الاستمرار بهذا الشكل يشير إلى أسلوبٍ غير مفهوم تُمارسه المنظمة.

وطالبَ المواطنون بضرورة فتح تحقيقٍ علنيٍّ ومستقل في آلية ترشيح المخابز والمتابعة والتقييم معها. وبدوره طالب المحلّل الاقتصادي محمد أبو جياب الجهاتَ المختصّة بضرورة مكافحة «الفساد الخطير والكبير» المشترك—بحسب قوله—بين أصحاب المخابز وعددٍ من كبار موظفي برنامج الأغذية العالمي، والذي يتمّ بموجبه إنتاجُ خبزٍ غير صالحٍ للاستهلاك الآدمي، ويهدف إلى «سرقة آلاف لترات السولار يوميًّا» في عمليةٍ فنيةٍ فاسدة «تنتج فقط خبزًا فاسدًا». كما شدّد المواطنون على ضرورة وقف السماسرة وبيع الحصص، والعمل على محاسبة المتجاوزين إذا ثَبُتت المخالفات، ونشر نتائج التحقيق للرأي العام، وشدّدوا على إشراك المواطنين عبر قنوات ملاحظاتٍ موثّقة مع التزامٍ زمنيٍّ لمعالجة الشكاوى.

ويذهب بعض المنتقدين إلى حدّ التنديد بما يصفونه بـ«أسلوبٍ غير مفهوم تمارسه المنظمة»، مطالبين بإنهاء أيّ ثغراتٍ تسمح بهدر الدقيق أو الوقود أو إخراج رغيفٍ رديء. وتُنقَل عن مواطنين عباراتٌ صارمة مثل: «خبزكم لا يصلح للاستهلاك الآدمي، هذه إهانة وليست مساعدة غذائية» و«كفى تساهلًا وكفى سرقات»، في إشارةٍ إلى رغبةٍ مجتمعيةٍ بمحاسبةٍ تُعيد الثقة وتضمن كرامة المستفيد قبل أيّ شيء.

وكشفت مصادر خاصة لـ«وكالة قدس نت للأنباء» أن برنامج الأغذية العالمي بدأ تشديد الرقابة على المخابز، بعد تلقي شكاوى متعددة من المواطنين، وعلى إثر موجة الانتقادات التي أطلقها أهالي قطاع غزة.

وانطلقت الشرارةُ الأخيرة لهذا الجدل عبر رسائلَ احتجاجيةٍ ووسومٍ محلّية تصف الخبز الموزَّع بـ«غير الصالح للاستهلاك الآدمي»، وتطالب بمراجعةٍ عاجلة للإنتاج وآليات الإسناد والرقابة. وتذهب بعض الشكاوى أبعد من ذلك، باتهام بعض أصحاب المخابز و«موظفين كبارًا» في المنظومة اللوجستية بالتلاعب بمخصّصات الوقود والمواد الخام، على نحوٍ «ينتج خبزًا رديئًا ويهدر الدعم»، وفق ما يرد في تلك الرسائل. وهذه الاتهامات لم يتسنَّ التحقّقُ منها بشكلٍ مستقل، لكنها وجدت صدىً واسعًا لدى جمهورٍ يرزح تحت ضغطٍ معيشيٍّ غير مسبوق.

في المقابل، يؤكد برنامجُ الأغذية العالمي أن الأفران تعمل من جديد منذ أيام، مع فتح الهدنة الطريقَ لمزيدٍ من المساعدات، لافتًا إلى أن إعادة تشغيل المخابز تُعيد «الخبز الطازج والدفء والغذاء»، وأن الخبز شريانُ حياة يدعم الاقتصادَ المحلي وخطوةٌ على طريق استعادة الأمن الغذائي. ويشير هذا الخطاب إلى أن الأولوية الآن هي تأمينُ رغيفٍ يصل بانتظامٍ إلى أكبر عددٍ ممكن من العائلات، في بيئةٍ تتسم بندرة الوقود وتراجع الكهرباء وأضرارٍ طالت البنية التحتية لمرافق الخَبز والتوزيع.

وبين هذين المنظورين—الغضب الشعبي من الجودة والاحتجاج على آليات الاختيار، ورؤيةُ البرنامج التي تُشدِّد على أولوية الوصول والاستمرارية—تبرز مساحةٌ مشتركة يمكن البناء عليها: شفافيةٌ قابلةٌ للتحقّق؛ إذ يرى مواطنون أن نشر مواصفات الرغيف المدعوم (الوزن، نوع الدقيق، تاريخ ووقت الإنتاج)، وجدول الإنتاج اليومي، ومعايير القبول/الرفض الدفعي، من شأنه أن يوفّر مؤشرًا موضوعيًا للحكم على الأداء، وأن يُحوّل الشكوى العامة إلى تحسينٍ عمليٍّ تُقاس نتائجه أسبوعًا بأسبوع.

ويبقى جوهرُ القصّة، في نظر الناس، مرتبطًا بحقّهم في غذاءٍ آمنٍ ولائق. فالهدنةُ التي أعادت الأفران إلى العمل ينبغي أن تُعيد أيضًا معيارَ الكرامة إلى سلّة المساعدات: رغيفٌ يمكن أكله بلا حرج، يصل في وقته، ويحترم جهدَ مَن يقف في الطابور ويدفع ثمنه. وبينما ينتظر السكانُ خطواتٍ ملموسة نحو التحقيق والمراجعة، يبدو أن استعادة الثقة تمرّ عبر ثلاثة مفاتيح: بياناتٌ تُنشَر، وجودةٌ تُقاس، ومسؤوليةٌ تُطبَّق. بهذه الصيغة، يغدو الخبزُ اليومي ليس فقط غذاءً يسدّ الرمق، بل مؤشرًا عامًا على جدّية برامج الحماية في الاستماع للناس وتصحيح المسار.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - غزة