نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر مطّلعة أن عددًا من الدول العربية يعارض مقترحًا أميركيًا–إسرائيليًا يقضي بتقسيم قطاع غزة إلى مناطق منفصلة، خشية أن يفضي ذلك إلى بقاء جزء من القطاع تحت سيطرة إسرائيلية دائمة. وبحسب الصحيفة، تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل خطة مؤقتة تُقسّم غزة إلى منطقتين: واحدة تخضع لسيطرة إسرائيل، وأخرى لحركة حماس، على أن تُوجَّه أموال إعادة الإعمار إلى الجانب الذي تسيطر عليه إسرائيل فقط، إلى حين نزع سلاح الحركة وإزالة سلطتها.
وقال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس وجاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب، في مؤتمر صحافي عُقد الثلاثاء في إسرائيل، إن الهدف المرحلي هو توسيع «منطقة آمنة» جغرافيًا داخل غزة. وأوضح فانس: «هناك منطقتان في غزة: إحداهما آمنة نسبيًا والأخرى خطيرة للغاية، وهدفنا هو توسيع المنطقة الآمنة». أما كوشنر فقال إن أموال إعادة الإعمار «لن تذهب إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة حماس»، مضيفًا: «هناك اعتبارات تُناقَش الآن في المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، طالما يمكن تأمينها، لبدء بناء غزة جديدة توفّر للفلسطينيين مكانًا للعيش والعمل».
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين مطلعين، رسم اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسّط فيه ترامب ودخل حيّز التنفيذ في 10/10 خطًا أصفر على الخريطة يحدد منطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي، وهو في الأساس حزام عريض يطوّق حدود القطاع ويحيط بالمنطقة الخاضعة لسيطرة فلسطينية، على أن تتقلّص هذه المنطقة الإسرائيلية تدريجيًا مع تحقيق معايير محددة. وتقول المصادر نفسها إن إسرائيل سحبت قواتها بحيث تسيطر حاليًا على نحو 53% من مساحة القطاع.
أثار هذا التصور قلق الوسطاء العرب الذين قالوا إن واشنطن وتل أبيب طرحتاه خلال محادثات السلام. وتؤكد حكومات عربية، وفق الصحيفة، رفضها الشديد لفكرة التقسيم خشية ترسيخ وضع دائم داخل غزة، كما تستبعد إرسال قوات لتأمين القطاع وفق هذه الشروط. وصرّح مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية بأن الخطة «فكرة أولية» قيد الدرس، مع التعهّد بتقديم تحديثات خلال الأيام المقبلة.
وتسلّط الفكرة الضوء على صعوبات لا تزال قائمة: نزع سلاح حماس، إنشاء حكومة بديلة قادرة على إدارة القطاع، وخلق بيئة آمنة لاستثمارات تُقدَّر بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار. وتنصّ خطة ترامب للسلام، بحسب ما أوردته الصحيفة، على تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة غزة ونشر قوة دولية لتوفير الأمن، غير أن التفاصيل التشغيلية ما زالت غير محددة. وترى حكومات عربية عديدة أن السلطة الفلسطينية ينبغي أن تضطلع بدور الإشراف، بينما يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة منحها هذا الدور.
وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن كوشنر هو «القوة الدافعة» وراء خطة إعادة الإعمار المنقسمة، وقد وضعها بالاشتراك مع المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وأطلع عليها ترامب وفانس ونال دعمهما. لكن مسؤولين آخرين يشيرون إلى أن الخطة تحتاج إلى معالجة مسائل حاسمة قبل أن تصبح قابلة للتنفيذ، بينها: كيفية توفير الخدمات اليومية للفلسطينيين المقيمين في الجزء الذي تحتله إسرائيل، وافتراض استعدادهم للانتقال إلى تلك المنطقة. وتقول مصادر إن الإدارة نظرت أيضًا في إعادة إعمار المناطق غير الخاضعة لحماس حتى قبل التوصّل إلى وقف إطلاق النار، على أمل تحسين الأوضاع وخلق «نموذج» لما بعد حماس.
وتناقش دوائر أميركية كذلك آليات منع تسلّل عناصر حماس إلى «الجانب الإسرائيلي»، ومن بين الأفكار التي طُرحت برنامج فحص تقوده السلطات الإسرائيلية. ويرى بعض الوسطاء أن الولايات المتحدة «تكسب الوقت» بينما تحاول حلّ قضايا الحكم بعد الحرب. وتؤكد مصادر الصحيفة أن أولوية واشنطن القصوى هي التمسك باتفاق وقف إطلاق النار الذي تعرّض لاختبارات متكررة بسبب حوادث ميدانية وخلافات حول إعادة جثث رهائن قُتلوا وما زالت جثامينهم في غزة. وفي إطار الحفاظ على الزخم، أرسلت الإدارة فانس وكوشنر وويتكوف إلى إسرائيل، ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الخميس.
وبحسب الصحيفة، لم تلتزم حماس بنزع السلاح، وبالمقابل عززت قبضتها على القطاع عبر قمع المعارضين، فيما يقول الجيش الإسرائيلي إن الحركة أطلقت النار على جنوده عدة مرات. وفي إسرائيل، حظيت فكرة نهجٍ مُقسَّم لإعادة الإعمار بتأييد بعض المحللين؛ إذ يرى أوفر غوترمان، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن بناء مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل غزة قد يُضعف حماس سياسيًا، ويمكّن الجيش من تنفيذ عمليات تُقوِّض قدرة الحركة على القتال. ومع مرور الوقت، يمكن لإسرائيل، بحسب رأيه، توسيع هذه المناطق على حساب نفوذ حماس، بالتوازي مع تعزيز الحزام الأمني حول المدن الإسرائيلية القريبة من القطاع. ووصف غوترمان الخطة بأنها «قابلة للتنفيذ ومثالية».
وتُبرز مداولات الأيام الأخيرة، وفق «وول ستريت جورنال»، تباينًا واضحًا في الأولويات: واشنطن تضغط لتثبيت التهدئة وتوسيع «المنطقة الآمنة» كممر نحو إعادة الإعمار الجزئي؛ تل أبيب تربط أي تمويل بعدم وصول الأموال إلى مناطق تحت سيطرة حماس؛ بينما ترى عواصم عربية أن التقسيم يحمل مخاطر سياسية وإنسانية طويلة الأمد، وقد يخلق «أمرًا واقعًا» يصعب التراجع عنه. وبين هذه الأطراف، تبقى آليات الحكم والخدمات والجهات المنفذة وأمن الحدود—وحتى مصادر تمويل إعادة الإعمار—أسئلة مفتوحة بانتظار تفاهماتٍ أكثر تفصيلاً.