في ذروة موسم قطف الزيتون الذي يشكّل ركيزة معيشية ورمزاً لهوية الأرض، شهدت الضفة الغربية، اليوم، سلسلة أحداث متزامنة طاولت المزارعين وحقولهم، إلى جانب اقتحامات واعتقالات وإخطارات بإخلاء منازلٍ وأراضٍ، واقتحاماتٍ لباحات المسجد الأقصى. تأتي هذه التطورات في يومٍ كثيف الميدان تعدّدت فيه الجبهات، فيما تصدّر الزيتون واجهة الاستهداف والمنع، بحسب ما أفاد مراسلة وكالة قدس نت للأنباء في الضفة الغربية والقدس ومصادر محلية.
موسم الزيتون منع وصول واعتداءات منظّمة
في سعير شمال شرق الخليل، منعت قوات الاحتلال المزارعين من قطف ثمار الزيتون في وادي سعير، وأجبرتهم على إخلاء المكان بدعوى «منطقة عسكرية مغلقة»، وفق إفادات ميدانية. المزارع عيسى الشلالدة قال لـ«وفا» إن المنع مستمر منذ أكثر من شهر، ومترافق مع اعتداءات مجموعات تُعرف بـ«فتية التلال» شملت تقطيعاً وإحراقاً للأشجار والاعتداء على الممتلكات، بما «يهدد أرواح الأهالي ويضيّق عليهم في رزقهم».
وسُجّلت في مطلع الشهر حادثة قصّ أكثر من 200 شجرة زيتون معمّرة ونحو 100 شجرة لوزيات بمناشير كهربائية في منطقة أمّ البُطُم بوادي سعير، نُسبت إلى مستعمري «أصفر» و«كودوفيم»، وأدّت إلى إتلافها بالكامل. كما أُحرقت، في أيلول/سبتمبر الماضي، عشرات الدونمات المزروعة بالكرمة والزيتون واللوزيات، ضمن نمط اعتداءات متواصلة هدفه تفريغ الأرض ودفع أصحابها للرحيل.
وفي ترمسعيا شمال رام الله، هاجم مستوطنون صباح اليوم قاطفي الزيتون وأجبروهم على مغادرة أراضيهم. ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تمّ رصد 158 اعتداء ضد المزارعين منذ بداية الموسم الحالي؛ بينها 17 اعتداءً نفّذتها قوات الاحتلال و141 اعتداءً نفّذها مستوطنون.
قرارات على الأرض: إخطارات إخلاء واقتحامات لمناطق زراعية
في قلنديا شمال غرب القدس، سلّمت طواقم بلدية الاحتلال بحماية قوة عسكرية إخطارات بإخلاء منازل وأراضٍ مزروعة بالزيتون في الجهة الشرقية من البلدة.
وفي حبلة جنوب قلقيلية، اقتحمت قوات الاحتلال البلدة وتجولت في شوارعها ومناطقها الزراعية دون الإبلاغ عن اعتقالات. كما اقتحمت قوات الاحتلال كفر مالك شمال رام الله ونعلين غرباً وانتشرت في الشوارع، من غير تسجيل اعتقالات أو مداهمات حتى نشر الخبر.
القدس: اقتحامات للأقصى واعتقال طفلين وإغلاق حاجز
في مدينة القدس، اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى على شكل مجموعات، وأدّوا طقوساً تلمودية بحماية شرطة الاحتلال، عقب دعواتٍ أطلقتها مجموعات استيطانية لاقتحامات متتالية. وفي العيسوية، اعتقلت قوات الاحتلال طفلين هما محمد أبو عصب وأحمد عابد بعد مداهمة منزلي ذويهما. كما أُغلق حاجز بيت إكسا العسكري شمال غرب القدس بالكامل، ما أعاق حركة الدخول والخروج وأدى إلى أزمة مرورية خانقة.
حملة اعتقالات: الخليل ونابلس وبيت لحم
في الخليل، اعتقلت قوات الاحتلال سبعة مواطنين عقب اقتحام أحياء ومداهمة منازل وتفتيشها، وهم: سعيد سعدي الهيموني ونجله فضل، طارق النجار، سعدي أبو وهدان، أحمد نادر كرامة، عاطف رجائي الهيموني، وطلال النجار.
وفي نابلس، اعتُقل سبعة مواطنين خلال اقتحامات فجراً شملت المدينة وشمال غربها: قاسم جروان (حي رفيديا)، مهند الأغبر (أسير محرّر/خلة العامود), فضل الكردي (البلدة القديمة)، محمد ماهر عبد الجبار (زواتا)، إضافة إلى معتز دغلس وكريم السنكل من برقة، والفتى علاء كايد من سبسطية.
وفي بيت لحم، اعتُقل أحمد أبو هليل (32 عاماً) من مدينة الدوحة بعد مداهمة منزله وتفتيشه.
صوت الإسناد: دعوة دينية واجتماعية لمساندة المزارعين
دعا مجلس الإفتاء الأعلى إلى مساندة المزارعين الذين «يتشبثون بأرضهم المباركة» ويعتنون بـشجرة الزيتون «رمز البقاء والرباط»، مندّداً بـإطلاق الرصاص الحي على القاطفين والمتضامنين معهم وسرقة المحصول وإجبار أصحاب الأراضي على الإخلاء بالقوة. وأشار المجلس إلى أن الاعتداءات تتوزع على مناطق عدّة في الضفة الغربية، وتتزامن مع ضعف الموسم الحالي، معتبرًا أنّها جزء من سياسات تهويدٍ وضمّ مفروضة بالأمر الواقع قرب المستوطنات. كما أدان استمرار اقتحامات المسجد الأقصى بوصفها «استفزازاً صارخاً لمشاعر المسلمين» وتحدّياً لحقوق العبادة المكفولة.
الزيتون في قلب الاشتباك اليومي
ترسم حصيلة الساعات الماضية مشهداً تتجاور فيه إجراءاتٌ ميدانية (إخطارات إخلاء واقتحامات وإغلاقات) مع اعتداءاتٍ مباشرة على المزارعين ومحاصيلهم، ما يجعل موسم الزيتون مؤشراً حسّاساً على حق الوصول إلى الأرض وسلامة النشاط الزراعي. فبين منع الوصول في سعير، وهجمات المستوطنين على قاطفي الزيتون في ترمسعيا، وإخطارات الإخلاء في قلنديا، واقتحاماتٍ لمناطق زراعية في حبلة، تبدو الدورة الزراعية نفسها رهينةَ الإجراءات الأمنية وتغيّرها المستمر على الأرض.
وبينما تتواصل الاعتقالات في محافظات عدّة، وتستمر اقتحامات الأقصى وإغلاق الحواجز في محيط القدس، تبرز الحاجة، وفق دعوات دينية ومجتمعية، إلى إسنادٍ فعلي للمزارعين وضمان حماية مدنية وقانونية لعمّال القطاف وممتلكاتهم، بما يصون رمز الزيتون كمعيشةٍ وتراثٍ وحقٍّ أصيلٍ في الأرض.