مليون طفل بحاجة للدعم النفسي في غزة

جراح النفس في غزة لا تُضمّد بالهدنة: مستشار أممي يحذّر من رحلة تعافٍ طويلة ومسؤولية جماعية

201025_Nusairat_BA_00(4).jpg

حذّر المستشار الإقليمي للصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية الدكتور خالد سعيد من أنّ احتياجات الصحة النفسية في قطاع غزة تتصاعد على وقع دمار البنية التحتية وتراجع القدرة على تقديم الدعم المتخصص، مؤكّدًا أنّ هذه الاحتياجات «لن تختفي فجأة بعد وقف إطلاق النار»، بل ستستمر لفترة طويلة تتطلّب عملاً متواصلاً ومسؤولية جماعية. وجاءت تصريحاته في حوار نشره موقع الأمم المتحدة، شدّد فيه على أنّ التعافي النفسي «رحلة طويلة» لا تقل أهمية عن إعادة إعمار الحجر.

يرى سعيد أنّ جذور الأزمة النفسية تمتد إلى ما قبل الحرب الأخيرة، إذ تظهر تقارير أنّ ثلثي البالغين في غزة كانوا يعانون من كرب شديد، وأنّ أكثر من نصف الأطفال واجهوا مشكلات نفسية قائمة أصلًا. ومع تفاقم الأوضاع، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مطلع العام الجاري بأنّ أكثر من مليون طفل في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي-اجتماعي لمعالجة الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية، فيما حذّرت وكالة الأونروا من حرمان نحو 660 ألف طفل من التعليم للسنة الثالثة على التوالي، ما يهدد بتحوّلهم إلى «جيل ضائع».

يشدّد مستشار منظمة الصحة العالمية على ضرورة تغيير زاوية التعامل مع الملف؛ فبدل الاكتفاء بنماذج مستشفيات متخصصة معزولة، يدعو إلى «دمج مكوّنات الصحة النفسية والدعم النفسي-الاجتماعي في عمل جميع القطاعات»، من التعليم والحماية إلى المياه والصرف الصحي والأمن الغذائي، على أن تُصبح الصحة النفسية «مسؤولية الجميع» لا شأنًا علاجيًا صرفًا. ويؤكد أنّ الهدف يتجاوز معالجة الاضطرابات إلى «تمكين الناس كي يحققوا كامل إمكاناتهم ويواجهوا المواقف العصيبة ويسهموا في تنمية مجتمعاتهم»، وهو ما يعني إشراك كل الجهات المعنية في التخطيط لإعادة الإعمار وإعادة بناء الخدمات والمجتمعات معًا.

وبالاستناد إلى خبرات ما قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، يوضح سعيد أنّ فلسطين امتلكت برنامجًا قويًا لدمج الصحة النفسية في الرعاية الأولية والعامة؛ حيث جرى تدريب أطباء وممرضين غير متخصصين على التعرّف إلى المشكلات الشائعة وإدارتها وربطها بالخدمات المتقدمة. ويقول إنّ «القوى العاملة موجودة ومدرّبة تدريبًا جيدًا، وما نحتاجه هو منحها الفرصة لتوسيع نطاق الخدمات كي تصل إلى المجتمع». ويشدّد بالتوازي على تمكين المجتمعات المحلية نفسها لتقديم الإسناد للفئات الأضعف عبر تدخلات عملية مثل «الإسعافات الأولية النفسية» والدعم النفسي-الاجتماعي الأساسي والمهارات والتدريبات التي تروّج لها المنظمة منذ سنوات.

ولا يغفل سعيد أحد أكبر العوائق أمام التماس العلاج: «الوصمة». فهي، بحسب تعبيره، «سحابة تغطي مشهد الصحة النفسية» وتنعكس نقصًا في الموارد وضعفًا في الرؤية السياسية وندرةً في الخدمات وقلةً في استخدامها حتى عند توافرها. وللتعامل مع ذلك، يدعو إلى مقاربة متعددة المستويات تبدأ من السياسات وتصل إلى الأفراد، وتشمل قطاعات الإعلام والتعليم والصحة معًا بهدف تفكيك الصور النمطية وتطبيع طلب المساعدة.

يأتي هذا النقاش في سياق إنساني بالغ القسوة. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 خلّفت الحرب في غزة عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ودمارًا واسعًا في البنى المدنية، بينما تواصل خروقات يومية لوقف إطلاق النار منذ دخوله حيّز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025، ما أسفر عن مزيد من الضحايا والإصابات بحسب المعطيات الواردة. وتُترجم هذه الوقائع إلى طبقات جديدة من الصدمة والخسارة والانقطاع الدراسي وفقدان سبل العيش، وهي عوامل تُضاعف الحاجة إلى خدمات نفسية مستدامة ومتاحة ومنسّقة عبر القطاعات.

ويخلص المستشار الأممي إلى أنّ بناء منظومة فعّالة للصحة النفسية في غزة جزء لا يتجزأ من مشروع أوسع لإعادة بناء الحياة نفسها: إعادة إعمار البنية التحتية، وترميم المدارس والعيادات، وتدعيم شبكات الحماية الاجتماعية، وإعادة وصل الناس بالخدمات وببعضهم بعضًا. فـ«رحلة التعافي طويلة»، كما يقول، لكنها ممكنة حين تُدار بعيون مفتوحة على الإنسان أولًا، وبشراكة تُوزّع المسؤولية على الجميع.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله